بعد 8 سنوات من انقطاع منتظم، عادت الأمال تدق أبواب مليون موظف حكومي يمني، حين تحول صباح اليوم في عدن إلى انفراجة تاريخية شهدت صرف راتب شهرين كاملين لموظفي الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني. في عدن اليوم، رأيت دموع الفرح تختلط بالعرق في طوابير انتظرت شهرين... قبل أن ينفد المال، قبل أن تتوقف الآلة مجدداً، حدثت المعجزة التي يحتاجها كل يمني.
في صباح يوم مشمس بعدن، تحول مقر الهيئة العامة للأراضي إلى خلية نحل، حيث اصطف الموظفون والنازحون لاستلام مرتباتهم المتأخرة لشهري نوفمبر وديسمبر 2024. راتب شهرين كاملين لمؤسسة حكومية تضم مئات الموظفين، بينهم نازحون كافحوا لسنوات للبقاء على قيد الحياة. أحمد النازح، 45 سنة، أب لخمسة أطفال، كان من أول الواصلين: "انتظرت راتبي شهرين ليدفع إيجار البيت وأقساط المدرسة... اليوم أشعر أن الحياة عادت إلى قلبي". انتشرت أجواء الفرح والامتنان بين الموظفين، وبدت الابتسامة واضحة على وجوه كانت محطمة بالهموم، كمياه الغيث على أرض عطشى لشهور طويلة.
منذ اندلاع الحرب في 2014، تحولت المرتبات الحكومية في اليمن إلى حلم بعيد المنال لملايين الموظفين، حيث 70% من الشعب يعتمد على المرتبات الحكومية كمصدر دخل أساسي. أزمة السيولة، انقسام البنك المركزي، وتحديات النازحين، كلها عوامل ساهمت في تعقيد أزمة المرتبات التي أثرت على 1.4 مليون أسرة بشكل مباشر. آخر مرة شهدت عدن صرف منتظم للمرتبات كان في بداية 2024، قبل أن تعود التحديات المالية لتضرب المؤسسات بقوة. د. محمد الاقتصادي، خبير المالية العامة، يؤكد: "هذا الصرف إشارة إيجابية لاستقرار الخدمة المدنية، لكن التحدي في ضمان الاستمرارية".
عائلات كاملة كانت تنتظر هذا اليوم لدفع إيجارات منازلهم وأقساط مدارس أطفالهم المتراكمة، فيما تستعد فاطمة المساح، 38 سنة، مهندسة بالهيئة، للاحتفال بعد شهرين من الصبر: "تمكنت من الاستمرار في عملي رغم انقطاع الراتب، واليوم أشعر بالفخر". انتعاش متوقع في الأسواق المحلية وتحسن في الخدمات الحكومية خلال الأسابيع القادمة، بينما ينصح الخبراء بإدارة هذه الأموال بحكمة وعدم الإفراط في الإنفاج. سالم الموظف، 50 سنة، شاهد على طوابير الصرف، يقول بانفعال: "لم أر فرحة كهذه منذ سنوات... انتظار الراتب كان كصبر جبال عدن على عواصف البحر". بين الفرح والحذر، تباينت ردود أفعال المواطنين حول مستقبل المرتبات، لكن الأمل يسود الجميع.
صرف راتب شهرين لموظفي الهيئة العامة في عدن يمثل انفراجة تاريخية في أزمة استمرت شهرين، مثل إعادة الحياة لصحراء جافة بعد سنوات من القحط. السؤال الذي يحير الجميع الآن: هل هذا بداية انتظام المرتبات أم مجرد راحة مؤقتة؟ على المواطنين متابعة تطورات صرف باقي المؤسسات والمطالبة بانتظام أكبر. في بلد مزقته الحروب... هل يمكن لراتب شهرين أن يعيد الأمل إلى قلوب مكسورة منذ سنوات؟