في تطور مثير للجدل هز الساحة اليمنية، أعلنت الحكومة المعترف بها دولياً انفراج أزمة الرواتب بعد 120 يوماً من الجوع والقلق والأرق عاشها نصف مليون موظف يمني. الإعلان جاء بعد تهديدات بإضراب شامل قد يشل ما تبقى من مؤسسات الدولة، في بلد يضم أقدم الحضارات، حيث يبيع المعلمون مصاغهم الذهبي لشراء الخبز لأطفالهم.
بإشراف مباشر من رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك، تم الإعلان عن خطة متكاملة لصرف الرواتب المتأخرة لأكثر من 500 ألف موظف في القطاعين المدني والعسكري. "أم محمد"، معلمة في إحدى مدارس عدن، تروي معاناتها: "بعت خاتم زواجي الذهبي لأشتري الطحين لأطفالي الثلاثة، كنت أبكي كل ليلة وأنا أسمع أصوات جوعهم." هذا المشهد تكرر في آلاف البيوت اليمنية، حيث اضطر موظفون لبيع ممتلكاتهم أو الاستدانة بفوائد مرتفعة.
الأزمة التي بدأت قبل أربعة أشهر لم تكن الأولى من نوعها، فاليمن يعيش دورات متكررة من انقطاع الرواتب منذ بداية الصراع المسلح. د. عبدالله الحميري، الخبير الاقتصادي، يوضح: "توقف الصادرات النفطية وعدم توريد موارد الدولة للبنك المركزي خلق عجزاً مالياً ضخماً، والأزمة تنتشر في الاقتصاد اليمني بسرعة حريق في غابة جافة." العجز المالي الحالي يعادل ميزانية دولة مثل قطر لشهرين كاملين.
عودة صرف الرواتب ستعيد القدرة الشرائية لمئات الآلاف من الأسر اليمنية، مما يعني عودة الحياة تدريجياً للأسواق المحلية والخدمات الأساسية. خالد الناصر، موظف في الجمارك، وصف الأشهر الأربعة الماضية بـ"الجحيم المعيشي الذي لا يُطاق"، بينما يتوقع الخبراء تحسناً نسبياً في الخدمات التعليمية والصحية. لكن التحدي الأكبر يكمن في ضمان استدامة هذا الحل، خاصة مع استمرار الصراع وضعف الإيرادات الحكومية.
رغم الترحيب الحذر من الموظفين، تبقى الشكوك قائمة حول قدرة الحكومة على الوفاء بوعودها طويلة المدى. الخطة الحكومية تتطلب إصلاحات هيكلية عميقة وشفافية في إدارة الموارد، وهو ما يحتاج دعماً خارجياً مستمراً واستقراراً سياسياً. السؤال الذي يؤرق كل موظف يمني اليوم: هل ستنجح هذه المرة.. أم أننا أمام هدنة مؤقتة في معركة البقاء اليومية؟