في تطور استثنائي هز الجالية اليمنية في السعودية، استيقظ نصف مليون يمني اليوم على قرار تاريخي غيّر مسار حياتهم إلى الأبد. بنقرة واحدة، ألغت المملكة سنوات طويلة من المعاناة المالية والإجرائية، معلنة تطبيق نظام التأشيرات الإلكترونية الذي يوفر لكل أسرة يمنية ما يعادل راتب شهرين كاملين سنوياً، ويمنحها حرية التنقل دون قيود مالية خانقة للمرة الأولى منذ عقود.
تفاصيل القرار الثوري تكشف عن انتهاء حقبة كاملة من التعقيدات، حيث لن يحتاج اليمنيون بعد اليوم إلى لصق التأشيرة في جوازات سفرهم أو دفع مبالغ باهظة تصل إلى 8000 ريال سنوياً للعائلة الواحدة. أحمد العلوي، عامل البناء ذو الـ35 عاماً، لم يستطع كتم دموعه وهو يقول: "كنت أدفع مبالغ كبيرة سنوياً لإتمام إجراءات التأشيرة، واليوم أشعر بأن عبئاً ثقيلاً زال عن كاهلي". بينما ارتجفت يدا فاطمة المحدار، الممرضة في جدة، وهي تهمس: "لم أكن أتخيل أنني سأتمكن من زيارة عائلتي بسهولة بعد اليوم، هذا القرار أعاد لي الأمل".
خلف هذا الإنجاز التاريخي تقف خمس سنوات من التنسيق المكثف بين السلطات السعودية والسفارة اليمنية في الرياض، في إطار رؤية المملكة الطموحة للتحول الرقمي الشامل. الدكتور سالم الحضرمي، خبير الشؤون الخليجية، يصف القرار بأنه "استثمار طويل الأمد في العلاقات الثنائية يعكس عمق الروابط التاريخية". هذا التحول يأتي كامتداد طبيعي لإلغاء نظام الكفالة عام 2021، مؤكداً التزام المملكة الراسخ بتحسين أوضاع العمالة الوافدة وخاصة الشقيقة اليمنية التي تواجه ظروفاً استثنائية في وطنها.
الآثار الاقتصادية للقرار تتجاوز كل التوقعات، حيث سيتمكن محمد البكري، التاجر اليمني في الرياض، وآلاف مثله من توجيه مدخراتهم السنوية نحو مشاريع استثمارية صغيرة بدلاً من صرفها على رسوم إجرائية. التحويلات المالية إلى اليمن متوقع أن تشهد ارتفاعاً ملحوظاً، مما ينعكس إيجابياً على الاقتصاد اليمني المنهك. سارة الحديدة، الأم لثلاثة أطفال، التي كانت تضطر لاقتراض المال سنوياً لدفع رسوم التأشيرة، تستطيع الآن التنفس بحرية وهي تخطط لمستقبل أطفالها التعليمي بأموال كانت تُهدر سابقاً على إجراءات بيروقراطية معقدة.
بينما تشهد الأحياء اليمنية احتفالات عفوية تملؤها أصوات التكبير ورائحة الشاي اليمني التقليدي، وتتردد أصداء المكالمات الهاتفية الجماعية لنقل البشرى للأهل في اليمن، يطرح هذا القرار التاريخي سؤالاً محورياً عن مستقبل العلاقات الخليجية-اليمنية. هل سنشهد موجة مماثلة من التسهيلات في باقي دول الخليج؟ وهل سيكون هذا الإنجاز بداية عصر جديد من التكامل الإنساني والاقتصادي يعيد رسم خريطة المنطقة على أسس الكرامة والتعاون المشترك؟