في مشهد يبدو وكأنه من كابوس بيروقراطي مرعب، أعلنت سلطات الحوثيين قراراً صادماً يحول ملايين اليمنيين إلى "أشباح" لا يمكنهم إثبات هويتهم: منع التعامل فوراً مع البطاقات الشخصية المنتهية الصلاحية دون أي مهلة زمنية واضحة. هذا القرار المفاجئ يهدد بشل الحياة اليومية لملايين المواطنين الذين باتوا يواجهون خطر فقدان حقوقهم الأساسية في لحظة واحدة.
تبدأ الكارثة بـرسوم تجديد تبلغ 3500 ريال يمني - مبلغ يعادل راتب موظف حكومي لأسبوع كامل في ظل انهيار العملة المحلية. أم محمد، ربة منزل في صنعاء تعتمد على تحويلات ابنها المغترب، تروي بصوت مكسور: "فوجئت برفض البنك التعامل مع بطاقتي المنتهية منذ 3 سنوات، والآن لا أستطيع استلام تحويلات ابني التي نعيش عليها." المشهد يتكرر في آلاف البنوك ومراكز التحويلات، حيث تتحول الوجوه من الأمل إلى اليأس في لحظات.
الجذور العميقة لهذه الأزمة تعود لسنوات من إهمال الخدمات المدنية أثناء الحرب، حيث استمر ملايين المواطنين في استخدام بطاقات منتهية الصلاحية منذ سنوات دون أي اعتراض من السلطات. الدكتور أحمد الصراري، خبير الإدارة العامة، يحذر: "هذا القرار يشبه إغلاق الطرق الرئيسية فجأة دون إعداد طرق بديلة - النتيجة حتمية: فوضى شاملة." المقارنة مع قرار إلغاء العملة القديمة في العراق عام 2003 تطفو على السطح، والذي أدى لفوضى اقتصادية استمرت لشهور.
التأثيرات الكارثية بدأت تظهر بوضوح: طوابير لا نهائية أمام مراكز الأحوال المدنية تمتد لكيلومترات، مواطنون منهكون يقضون ساعات تحت الشمس الحارقة، ورائحة العرق والإحباط تملأ الأجواء. خالد العنسي، موظف مصرفي، يصف المأساة: "نشهد يومياً عشرات المواقف المحرجة لمواطنين يُرفض تعاملهم، وبعضهم يبكي حقاً لأنه لا يستطيع الوصول لأمواله." الأسوأ من ذلك: بوادر ظهور شبكات السمسرة والابتزاز التي تستغل معاناة الناس لتحصيل مبالغ إضافية مقابل "تسريع" المعاملات.
بينما تغرق اليمن في هذا الكابوس الإداري، تبقى الأسئلة المصيرية معلقة في الهواء: هل ستتراجع السلطات عن هذا القرار المدمر؟ وإلى متى سيبقى المواطنون رهائن لقرارات عشوائية تحول حقوقهم الأساسية إلى امتيازات يُساوم عليها؟ الساعات القادمة حاسمة - فإما الإنقاذ السريع للموقف، أو الدخول في نفق مظلم من المعاناة لا يعلم إلا الله متى ينتهي.