في تطور تاريخي هز ميزان القوى في سوق العمل السعودي، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتعاون مع وزارة التجارة عن تطبيق قرار توطين المهن المحاسبية اليوم، مستهدفة بذلك 44 مهنة متنوعة. هذا التحول الجذري يتزامن مع تحديد حد أدنى للرواتب يصل إلى 6000 ريال لحملة البكالوريوس، في خطوة تعتبر نقلة نوعية تمهد الطريق أمام السعوديين للولوج إلى مهن لطالما كانت محتكرة من قبل الوافدين. المزج بين التحول السريع والمذهل مع عنصر الإلحاح الواضح - بضرورة اتخاذ الخطوات المناسبة قبل فوات الأوان - يضع المنشآت وأصحاب العمل أمام تحديات غير مأمولة. تفاصيل أكثر متاحة لإنارة الطريق.
في خطوة حكومية جريئة، تم تحديد نسبة 40% للسعوديين في المهن المحاسبية بالمنشآت التي تضم خمسة محاسبين أو أكثر، محققين بذلك وعد الحكومة بالاستفادة القصوى من الكفاءات المحلية. يقول د. سعد، خبير سوق العمل: 'هذا القرار سيحدث نقلة نوعية في سوق العمل، ويقلل من الاعتماد على العمالة الأجنبية.' في مكاتب الرياض، يمكنك سماع صوت الطابعات والحاسبات تعُج بالمعلومات حول الزيادة في الرواتب والاجور الجديدة. أحمد، المحاسب المصري الذي يسكن الرياض منذ ثمان سنوات، يواجه الآن مصيره المجهول في ظل هذه التغيرات.
يعد هذا القرار امتداداً لاستراتيجية توطين بدأت منذ سنوات في قطاعات متعددة مثل الضيافة والتجارة. رغبة المملكة في تقليل معدلات البطالة بين الشباب السعودي وتطوير الكفاءات الوطنية، كانت من المحركات الرئيسية وراء تبني هذه الخطة. وكما نجحت مهن البيع والتجزئة في توفير عشرات الآلاف من الوظائف للسعوديين، يُتوقع أن تحقق المحاسبة نفس الإنجاز. رغم توقعات الخبراء بأن تمر الأسواق بفترة قاسية تصل إلى 18 شهراً، تمثل هذه الخطوة استثماراً طويل الأجل نحو استقرار متوقع وتحسين تدريجي في جودة الخدمات.
مع توقعات بزيادة ملحوظة في الدخل للأسر السعودية، تواجه المجموعات الوافدة تحديات جديدة في اتخاذ قرارات بشأن البقاء أو المغادرة. تشير التقديرات إلى أن المحاسبة ستتحول خلال 3 سنوات إلى مهنة يهيمن عليها السعوديون بالكامل، عاكسة التغيير الكبير في الثقافة الوظيفية بالمملكة. الشباب السعودي أمامهم فرصة غير مسبوقة لتحقيق تفوق في هذا المجال، إلا أن الرهان بات على الكفاءة والتميز من أجل التغلب على منافسة في السوق الجديد. تتراوح ردود الأفعال بين التفاؤل والقلق، ولكن في مجملها تعكس تأثير القرار الصادم على المشهد الوظيفي.
بإيجاز، يمثل هذا القرار ضربة حاسمة في توطين 44 مهنة محاسبية، براتب لا يقل عن 6000 ريال، بتطبيق مرحلي على مدار خمس سنوات بهدف بلوغ نسبة 70%. المملكة تتقدم بثبات نحو استقلالية اقتصادية أكبر، حيث يمكن للشباب السعوديين أن يصبحوا الدعامة الأساسية في القطاعات الحيوية. في ظل هذا الإطار، تصبح التحديات التي تواجه المحاسبين وأصحاب الشركات والقوى العاملة الوافدة دعوة للإجراءات والبحث عن البدائل والتحولات. يبقى السؤال: هل ينجح هذا القرار في خلق جيل من المحاسبين السعوديين المتميزين، أم سيقف الانتقال حجر عثرة في وجه أحد أهم القطاعات الاقتصادية؟ الإجابة ستكون مرهونة بالوقت.
