كشفت مبادرة الاتحاد السعودي لكرة القدم بإطلاق اقتراح "السوبر الآسيوي" عن استراتيجية طموحة تسعى المملكة من خلالها لتجاوز الأدوار التقليدية للاتحادات المحلية، وصولاً إلى تشكيل مستقبل كرة القدم القارية. هذا التحرك، الذي جاء متزامناً مع الأرقام القياسية المذهلة لنادي الهلال في استقطاب والحفاظ على النجوم العالميين، يعكس رؤية متكاملة لم تُعلن رسمياً بعد، لكن ملامحها تتضح تدريجياً.
اقتراح "السوبر الآسيوي" الذي رُفع إلى اللجنة التنفيذية للاتحاد الآسيوي يهدف لخلق مواجهة سنوية بين بطل دوري أبطال آسيا الأساسي وبطل دوري أبطال آسيا 2، وهو ما يمثل نقلة نوعية في هيكلية البطولات القارية. هذه المبادرة تأتي ضمن توجه عالمي متنامٍ نحو توسيع قاعدة المنافسات الإقليمية، خاصة بعد إعلان رئيس الاتحاد الدولي جياني إنفانتينو عن بطولات مماثلة لشرق آسيا.
في الوقت ذاته، تحققت إنجازات استثنائية على مستوى الأندية السعودية، حيث اقترب ثنائي نادي الهلال ياسين بونو وسيرجي ميلينكوفيتش سافيتش من كسر رقم قياسي ظل صامداً لأكثر من 25 عاماً. فبعد تجديد عقديهما حتى صيف 2028، سيصبحان ثاني وثالث لاعبين أجنبيين في تاريخ الهلال يقضيان خمسة مواسم كاملة مع النادي، معادلين بذلك رقم المدافع الزامبي إيليجا ليتانا الذي لعب للهلال من 1995 إلى 2000.
أرقام بونو تكشف عن مستوى استثنائي، حيث خاض 102 مباراة مع الهلال، استقبل خلالها 95 هدفاً وحافظ على نظافة شباكه في 40 مباراة. الحارس المغربي الذي حصد جائزة أفضل حارس إفريقي لعام 2023، سجل 25 كلين شيت في الدوري السعودي كرقم قياسي تاريخي. أما سافيتش فقد شارك في 105 مباريات، سجل خلالها 31 هدفاً وصنع 27 تمريرة حاسمة، ليصل مجموع مساهماته التهديفية إلى 58.
هذه الأرقام تتجاوز مجرد الإحصائيات الفردية، لتعكس فلسفة جديدة في إدارة الأندية السعودية تركز على الاستقرار طويل المدى بدلاً من التغييرات الموسمية. ليتانا، الذي حقق 11 بطولة مع الهلال خلال فترته، وضع معياراً صعباً للغاية، لكن الثنائي الحالي يسير بخطى ثابتة نحو مضاهاته، خاصة بعد تحقيقهما 5 بطولات حتى الآن: دوري روشن السعودي، كأس الملك، كأس السوبر السعودي مرتين، وكأس موسم الرياض.
الاستراتيجية غير المُعلنة تبدو واضحة المعالم: تطوير البنية التحتية للمنافسات على المستوى القاري من جهة، وبناء أندية قادرة على المنافسة عالمياً من خلال الاستقرار الفني والإداري من جهة أخرى. هذا التوجه المزدوج يضع السعودية في موقع القيادة الإقليمية، ليس فقط من خلال الاستثمارات المالية، بل عبر الرؤية الاستراتيجية الشاملة.
تصريح سافيتش بعد تجديد عقده يكشف عن عمق هذه الفلسفة: "منذ أول يوم وصلت فيه هنا شعرت بشيء مختلف.. الجمهور، النادي، الروح.. لا يشبهون أي مكان"، مضيفاً أن "قراري بالبقاء لم يكن صعباً، لأن المجد لا يُترك". هذه الكلمات تؤكد نجاح الهلال في خلق بيئة احترافية جاذبة للنجوم العالميين.
مبادرة "السوبر الآسيوي" والأرقام القياسية للهلال تشكلان وجهين لعملة واحدة: استراتيجية سعودية طموحة لإعادة تشكيل خريطة كرة القدم الآسيوية. هذا التحرك المدروس يضع المملكة في مقدمة الدول الرائدة في تطوير الرياضة إقليمياً وقارياً، مستفيدة من قوتها الاقتصادية ورؤيتها الاستراتيجية لخلق نموذج جديد في إدارة الكرة الآسيوية.
المؤشرات تدل على أن هذه مجرد البداية لمشروع أكبر، يهدف لجعل السعودية مركزاً عالمياً للرياضة، عبر الجمع بين المبادرات الإدارية المبتكرة والاستثمار الذكي في المواهب العالمية، مما يضمن استدامة التطور ويحقق الطموحات الرياضية للمملكة على المدى الطويل.