حققت المملكة العربية السعودية إنجازاً هندسياً استثنائياً يتحدى الطبيعة ويفوق أشهر الأنهار العالمية، من خلال إنشاء شبكة مياه اصطناعية عملاقة تمتد لمسافة 14 ألف كيلومتر، متجاوزة بذلك ضعف طول نهر النيل وناقلة المياه من السواحل إلى المرتفعات الداخلية بتقنيات متطورة تتحدى قوانين الطبيعة.
تعد هذه الشبكة المائية العملاقة ثورة حقيقية في عالم الهندسة المدنية وإدارة الموارد المائية، حيث تمكنت من تحويل المفهوم التقليدي للأنهار رأساً على عقب.
بينما تتدفق الأنهار الطبيعية من المرتفعات نحو المنخفضات بفعل الجاذبية، فإن شبكة السعودية المائية تعمل بالاتجاه المعاكس تماماً، حيث تنطلق من محطات التحلية على السواحل وترتفع صعوداً لتصل إلى المناطق الداخلية الجبلية. هذا الإنجاز التقني يتطلب أنظمة ضخ فائقة القوة قادرة على دفع المياه إلى ارتفاعات تصل إلى 3 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر بضغط هائل يبلغ 90 بار، وهو ما يعادل ضغط المياه في أعماق البحر.
يصل إجمالي طول هذه الشبكة الاصطناعية إلى 14,217 كيلومتراً، مقارنة بطول نهر النيل البالغ 6,650 كيلومتراً، مما يعني أن المملكة نجحت في بناء أطول نظام نقل مياه في العالم. هذا الرقم المذهل يضع السعودية في مقدمة الدول الرائدة في مجال الهندسة المائية والتكنولوجيا المتقدمة لمواجهة تحديات البيئة الصحراوية القاسية.
تبرز محطة رأس الخير على الساحل الشرقي كأحد أهم محاور هذا النظام العملاق، حيث تمثل واحدة من أكبر محطات تحلية المياه على مستوى العالم. تتميز هذه المحطة الرائدة بقدرتها الإنتاجية الضخمة التي تصل إلى أكثر من مليون متر مكعب من المياه المحلاة يومياً، إلى جانب توليدها 2,400 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، مما يجعلها منشأة متكاملة تجمع بين إنتاج المياه والطاقة في آن واحد.
يكمن السر وراء نجاح هذا المشروع الطموح في استخدام تقنيات هندسية متطورة وأنابيب فائقة المقاومة مصممة خصيصاً لتحمل الضغط الهائل المطلوب لرفع المياه عبر التضاريس الجبلية الوعرة. هذه التقنيات المبتكرة تمكن من نقل المياه عبر مسافات شاسعة وارتفاعات كبيرة دون فقدان كبير في الضغط أو جودة المياه، مما يضمن وصول المياه العذبة النقية إلى جميع المناطق النائية في المملكة.
لا يقتصر هذا الإنجاز على الشبكة وحدها، بل يمتد ليشمل منظومة تخزين مائي متقدمة تضمن استمرارية الإمدادات. تحتضن العاصمة الرياض أكبر خزان للمياه العذبة بسعة هائلة تصل إلى 3 ملايين متر مكعب، وهو ما يعادل ملء حوالي 9 مليارات قارورة مياه سعة 330 مليلتر. هذه السعة التخزينية الاستثنائية تكفي لضمان الأمن المائي للعاصمة وضواحيها لفترات طويلة حتى في ظروف الطوارئ.
يمثل هذا المشروع العملاق نموذجاً عالمياً يحتذى به في مواجهة تحديات شح المياه، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة التي تعاني من ظروف مناخية قاسية. من خلال الاعتماد على تحلية مياه البحر وتطوير شبكات نقل وتخزين متطورة، تقدم المملكة حلولاً مبتكرة للمجتمع الدولي في كيفية تحقيق الاستدامة المائية والبيئية في بيئات تتسم بالجفاف الشديد.
هذا الإنجاز الهندسي السعودي لا يقتصر على توفير المياه فحسب، بل يعيد تعريف حدود الإمكانات البشرية في التعامل مع الطبيعة وتحدياتها، مؤكداً أن الإرادة والعلم والتطور التقني قادرة على تجاوز أصعب العقبات الطبيعية وتحويل الصحاري إلى واحات خضراء مزدهرة.