في تطور صاعق يثير تساؤلات حول السياسة الخارجية لدونالد ترامب، تستمر إدارته في انتهاج سياسة تصعيدية تجاه فنزويلا التي تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر. الرئيس الذي وعد بإنهاء الحروب قد يُحضر لأكبر مواجهة في الحديقة الخلفية لأمريكا. مجرد أسابيع قبل عودته المحتملة للسلطة، قد نشهد تحولاً جيوسياسياً لم يسبق له مثيل. إيرادات النفط الضخمة مقابل تحالف فنزويلا مع روسيا والصين يشكلان عنصر الجذب، بالإضافة إلى إصرار واشنطن على إعادة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
منذ بداية ولاية ترامب الأولى، وضعت إدارته هدفاً واضحاً بإسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو، لكن استراتيجية "الضغط الأقصى" لم تتمكن من تحقيق الهدف المنشود. تم الاعتراف بخوان غوايدو كرئيس مؤقت في يناير 2019، بينما قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات بلغت قيمتها 50 مليار دولار، مستهدفة قطاع النفط الفنزويلي الذي يُشكل أكثر من 90% من دخل البلاد بالعملة الصعبة. وصرح أحد الخبراء: "جميع الخيارات مطروحة"، بينما تقاوم شخصية مثل ماريا غونزاليس القمع بشجاعة.
وتعد فنزويلا ساحة اختبار لفلسفة ترامب في السياسة الخارجية التي تعني لا حروب طويلة، لكن لا تردد في استخدام القوة القصوى حين يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية. احتياطي النفط الفنزويلي يُعادل استهلاك العالم لأكثر من 50 عاماً، ويتعلق بالمنافسة الجيوسياسية الأمريكية مع روسيا والصين. ويتبنى ترامب عقيدة تشبه إلى حد بعيد مبدأ مونرو في القرن الواحد والعشرين، حيث يعتبر وجود فنزويلا في تحالف منافس تهديداً لهيمنة واشنطن على المنطقة.
أما على الجبهة الداخلية الأمريكية، يستخدم ترامب ملف فنزويلا لكسب أصوات اللوبي المناهض لكاسترو ومادورو في ولاية فلوريدا، حيث يسعى لاستغلال هذا الملف لتحقيق مكاسب سياسية. ومع ذلك، لم يسقط نظام مادورو بسبب دعم موسكو وبكين القوي، والخلافات الدولية حول إستراتيجية العقوبات. إفشال استراتيجيات ترامب قد يكون أحد الأسباب الداخلية لارتفاع أصوات الانتقادات لسياساته.
ورغم كل ذلك فإن المواقع الجغرافية والصراعات الاقتصادية والسياسية تقف عائقاً أمام تحقيق أهداف ترامب في المنطقة، ما جعل الأمر يتضمن تكاليف إنسانية باهظة على الشعب الفنزويلي الذي يواجه الأزمة الاقتصادية والانهيار. على المدى الطويل، قد يترتب على استمرار الصراع تحولات جذرية في ميزان القوى لكن دون حلول فورية تُلوح في الأفق.
ومع عودة ترامب للسلطة في الأفق، فإن المخاوف تتزايد من تدخل عسكري محتمل أو تحول سياسي استثنائي قد يعيد تشكيل الخارطة السياسية. ومهما كانت النتائج، يتساءل الكثيرون "هل ستصبح فنزويلا فيتنام القرن الواحد والعشرين، أم ستكون النصر الذي يحتاجه ترامب لتثبيت إرثه؟