في مأساة إنسانية جديدة هزت ضمير العالم، ابتلع البحر العربي 68 حلماً في دقائق معدودة عندما انقلب قارب يحمل 157 مهاجراً إثيوبياً قبالة سواحل اليمن. الأرقام المرعبة تكشف أن نسبة النجاة لم تتجاوز 7.6% فقط، بينما ما زال 77 شخصاً عالقين بين الحياة والموت في عرض البحر. الخبراء يحذرون: الساعات القادمة حاسمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المأساة التي تتكرر كل ثلاثة أيام على هذا الطريق الملعون.
عبد الله الناجي، أحد الناجين الاثني عشر الوحيدين، يروي بصوت مرتجف: "رأيت الموت بعيني... صرخات الاستغاثة تختلط بهدير الأمواج العاتية، والبرودة المميتة تسحب الأرواح واحداً تلو الآخر". وفي مشهد مؤثر، يواصل الكابتن سالم الأبيني وفريقه البحث المحموم عن المفقودين، بينما تطفو الجثث على امتداد مساحة واسعة من الساحل اليمني. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل أحلام محطمة لشباب كانوا يحلمون ببناء مستقبل أفضل لعائلاتهم.
هذا الطريق الملعون من القرن الأفريقي إلى دول الخليج عبر اليمن حصد في العقد الماضي وحده أكثر من 3,400 روح بريئة، منهم 1,400 قضوا غرقاً في مياه البحر العربي. د. عبد الستار إيسوييف، رئيس المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، يؤكد أن "المهربين أصبحوا أكثر تهوراً، يرسلون القوارب عمداً في ظروف خطرة لتجنب الدوريات". والأمر الأكثر إثارة للقلق أن كارثة مارس الماضي التي أودت بـ180 مهاجراً لم تكن كافية لوقف هذا النزيف البشري المستمر.
رغم هذه المخاطر المميتة، وصل أكثر من 60 ألف مهاجر إلى اليمن في عام 2024 وحده، مما يكشف حجم اليأس الذي يدفع هؤلاء الشباب للمغامرة بحياتهم. في إثيوبيا، تنتظر عائلات بقلوب مكسورة أخبار أحبائها، بينما تزداد حالة القلق بين الجاليات الأفريقية في دول الخليج. أحمد محمد، 23 عاماً، كان من بين الذين فقدوا في هذه المأساة، وكان يحلم بجمع المال ليتزوج حبيبته التي تنتظره في أديس أبابا. الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ أكثر من عقد وسيطرة الحوثيين على معظم الشمال الغربي تفاقم من خطورة هذه الرحلات الجحيمية.
بينما تتواصل عمليات البحث والإنقاذ بوتيرة محمومة، يطرح الخبراء سؤالاً مؤلماً: "كم من الأحلام يجب أن تغرق في البحر قبل أن تتحرك الحكومات لإيجاد حلول جذرية؟" إيسوييف يدعو إلى تعزيز المسارات القانونية للهجرة ليتمكن الناس من اتباع الطرق الآمنة بدلاً من الوقوع في فخ المهربين. الحل ليس في إغلاق الحدود، بل في فتح أبواب الأمل الشرعية قبل أن يبتلع البحر المزيد من الأحلام البريئة.