في مشهد يعيد تعريف معنى الإصرار والطموح، 7 سنوات قضاها إبراهيم كعتر يكنس الشوارع نهاراً ويكنس الجهل من عقله ليلاً، ليحقق ما يبدو مستحيلاً في زمن اليأس والإحباط. بينما يشكو طلاب الجامعات المتفرغون من صعوبة الامتحانات، حقق هذا العامل اليمني تقدير امتياز في التمويل والمصارف الإسلامية، مثبتاً أن الطموح لا تحده المهن ولا تقيده النظرات السلبية للمجتمع.
إبراهيم صالح كعتر، 32 عاماً، حول الشارع إلى قاعة دراسة والمكنسة إلى قلم، في رحلة استمرت 3 سنوات من الدراسة المضنية بجامعة سيئون عن بُعد. محمد زميله في صندوق النظافة يروي بإعجاب: "كنت أراه يحمل الكتب مع أدوات النظافة، صباحاً ينظف الشوارع ومساءً يقلب صفحات العلم". فاطمة، مواطنة تبلغ 45 عاماً، تتذكر: "كان مشهداً مؤثراً أن أراه يحمل همّ الرزق والعلم معاً، يداه متسختان من عمل النظافة لكن عقله يتوهج بنور المعرفة".
الأوضاع الاقتصادية القاسية في اليمن، حيث ترتفع معدلات البطالة وتتآكل قيمة العملة، دفعت إبراهيم للعمل في مهنة مهمشة اجتماعياً للحفاظ على كرامة العيش. لكن هذا الشاب رفض أن يكون الفقر قيداً لأحلامه، ففي عام 2022 اتخذ القرار الجريء بالالتحاق ببرنامج التعليم عن بُعد. مثل زهرة نبتت من شق في الصخر، أو كنجم برق في ليل اليمن المظلم، تحدى إبراهيم ظروفه بإرادة قوية كالإعصار وطموح سريع كالبرق. الدكتور أنور باسيف، خبير التنمية المستدامة، يؤكد: "هذه القصة تجسد المعنى الحقيقي لعبارة: الطموح لا تحده المهن ولا تحكمه النظرات السلبية".
تأثير هذا الإنجاز تجاوز الحدود الشخصية ليصبح مصدر إلهام لملايين الشباب العربي الذين يواجهون ظروفاً اقتصادية صعبة. موجة الإعجاب العارمة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تحت عناوين "عامل نظافة يمني يحقق المستحيل" تؤكد أن المجتمع متعطش لقصص النجاح الحقيقية. المطالبات الشعبية بتكريم إبراهيم وتوظيفه في مجال تخصصه تعكس رغبة جماعية في تغيير النظرة المجتمعية للمهن اليدوية وإعطاء العمال حقهم في الاحترام والتقدير. هذا النموذج يمثل فرصة ذهبية لتعزيز ثقافة التعليم المستمر، حيث يمكن أن يلهم جيلاً كاملاً للإقبال على التعليم عن بُعد رغم أصعب الظروف.
من عامل نظافة إلى خريج بامتياز في رحلة 7 سنوات من الكفاح المضني، أثبت إبراهيم كعتر أن التعليم حق للجميع وأن النجاح ليس حكراً على المحظوظين. قصته تعيد تعريف معنى النجاح وتؤكد أن الإرادة القوية قادرة على تحطيم كل القيود الاجتماعية والاقتصادية. على المؤسسات والحكومات تبني هذا النموذج وتوفير فرص التعليم المستمر للجميع، فإذا استطاع عامل نظافة أن يحقق المستحيل ويحول الشارع إلى جامعة، فماذا عن بقيتنا؟