شهدت المدارس السعودية مع مطلع العام الدراسي الجديد 1447هـ تطبيق نظام "بصمة حضوري" الإلكتروني، والذي ألزم المعلمين والمعلمات بقضاء 35 ساعة أسبوعياً في المدرسة. هذا التحول من النظام التقليدي للحضور والانصراف إلى النظام الرقمي أثار جدلاً واسعاً حول تأثيره على واقع المعلمين ومستقبل العملية التعليمية في المملكة.
يتطلب النظام الجديد من المعلمين قضاء خمسة وثلاثين ساعة كل أسبوع عمل تدريسي داخل المدرسة، سواء كان وجودهم داخل الصف أو خارجه، وذلك على مدار خمسة أيام من الأحد حتى الخميس. هذا التغيير الجذري في نظام العمل يستوجب من وزارة التعليم إجراء مسح شامل لجميع مدارسها لمعرفة نصاب كل معلم في مختلف التخصصات، لضمان عدالة توزيع المعلمين بين المدارس وتجنب ما يُسمى بـ"البطالة المقنعة" على حساب مدارس أخرى محتاجة للكوادر التعليمية.
تباينت ردود فعل المعلمين تجاه هذا النظام الجديد. فبينما شهد بعضهم بإيجابية ضبط الحضور عبر البصمة وانتهاء حالات التسيب الفردية، عبّر آخرون عن قلقهم من تطبيق نظام يشي بعدم ثقة الوزارة في المعلمين كحملة رسالة تربوية. يرى هؤلاء أن مهنة التعليم تختلف عن أي مهنة أخرى وتتطلب معاملة خاصة تقدر دورها المحوري في بناء الأجيال.
من التحديات البارزة التي يواجهها تطبيق النظام، معاناة العديد من المعلمين الذين يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم، خاصة في المناطق النائية والأطراف البعيدة عن المراكز الرئيسة. هذه المدارس تفتقر أحياناً للبنية التحتية اللازمة مثل شبكة الإنترنت المستقرة والكهرباء، وتتعرض لانقطاع الخدمات وسيول الأودية في فصلي الخريف والشتاء، إضافة إلى عدم توفر الطرق المسفلتة والمساكن المناسبة للمعلمين.
يطرح النظام الجديد تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين الانضباط الإداري وجودة التعليم. فالالتزام ببصمة الحضور لا يضمن بالضرورة حسن أداء المعلم داخل الصف إن لم تكن أمانته وإخلاصه حاضرين. كما أن اعتماد النظام على الهواتف الشخصية للمعلمين في التطبيق يثير قضايا تقنية حول ضمان صلاحية الجهاز واستقرار التطبيق يومياً.
من ناحية أخرى، يأتي تطبيق النظام في إطار توجه وزارة التعليم نحو منح مديري المدارس صلاحيات أوسع لم تكن موجودة سابقاً، حيث أصبح على عاتق مدير المدرسة عبء كبير مع ثقة الوزارة في قدرته على ضبط جميع أعمال المدرسة. هذا التناقض الظاهري بين منح الثقة لمديري المدارس وسحبها من المعلمين عبر نظام البصمة يطرح تساؤلات حول فلسفة الإدارة التربوية الجديدة.
تسعى وزارة التعليم من خلال هذا النظام إلى مواكبة الشركات والمؤسسات في تطبيق الحوكمة الإلكترونية، رغبة في تحقيق الجودة المرجوة في النظام التعليمي. ويعد هذا التحول جزءاً من استراتيجية أوسع للتحول الرقمي في القطاع التعليمي، والذي شمل أيضاً تطبيق نظام البصمة على الطلاب ونال رضا أولياء الأمور.
في سياق التطوير المؤسسي، شهد قطاع التعليم إقفال ثلاثين إدارة تعليمية، مما أدى إلى عودة عدد من المشرفين التربويين للتدريس في الميدان، بينما فضل آخرون التقاعد المبكر. هذه التغييرات الهيكلية أثرت على توزيع المعلمين وخلقت فائضاً في بعض المدارس بينما تعاني أخرى من نقص في الكوادر.
يبقى السؤال الأساسي حول ما إذا كان نظام "بصمة حضوري" سيحقق أهدافه في تحسين جودة التعليم أم أنه سيخلق توتراً إضافياً في العلاقة بين الوزارة والمعلمين. النجاح الحقيقي للنظام يتطلب موازنة دقيقة بين ضرورات الانضباط الإداري ومراعاة خصوصية مهنة التعليم والظروف الإنسانية للمعلمين، خاصة أولئك الذين يخدمون في المناطق النائية ويواجهون تحديات إضافية في أداء رسالتهم التربوية.