تقف محافظة حجة اليمنية على مفترق طرق بين واقع معيشي قاسٍ ومستقبل واعد، فبينما تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، كشفت الدراسات الجيولوجية عن احتوائها على ثروات ذهبية هائلة تقدر بملايين الجرامات.
هذا الاكتشاف المذهل يفتح الباب أمام آمال جديدة لتحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ليس فقط لسكان المحافظة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، بل لليمن بأكمله الذي يواجه تحديات اقتصادية جسيمة.
منجم الحارقة: الاكتشاف والمواصفات
يبرز منجم الحارقة في مديرية أفلح الشام كأحد أهم الاكتشافات المعدنية في تاريخ اليمن الحديث، حيث تم الكشف عنه عام 1996 على يد شركة "كانتكس" الكندية المتخصصة في التنقيب عن المعادن الثمينة.
وأشارت تقديرات الشركة آنذاك إلى وجود ما يزيد عن 96 مليون جرام من الذهب الخام في هذا المنجم وحده، وهو ما يجعله من أكبر المناجم الذهبية ليس في اليمن فحسب، بل على مستوى المنطقة.
وتعزز هذه التقديرات ما توصلت إليه هيئة المساحة الجيولوجية اليمنية التي قدرت احتياطي الذهب في منطقة الحارقة بحوالي 31.6 مليون طن من الصخور الحاملة للذهب، بتركيز يتراوح بين 1 و1.65 جرامًا في كل طن.
وبحسب خبراء التعدين، فإن هذه النسب تعتبر مجدية اقتصاديًا للاستخراج التجاري، خاصة مع ارتفاع أسعار الذهب عالميًا خلال السنوات الأخيرة.
التنقيب العشوائي والمخاطر المصاحبة
مع غياب الاستثمارات الرسمية والإشراف الحكومي المنظم على عمليات التنقيب، شهدت محافظة حجة انتشارًا واسعًا لعمليات التنقيب العشوائي، خاصة في مناطق كُشَر والعبيسة المجاورة لمنجم الحارقة.
ويلجأ السكان المحليون، مدفوعين بالفقر والبطالة، إلى استخدام أدوات بدائية للحفر والتنقيب دون أي معدات للسلامة أو إجراءات وقائية، مما أدى إلى وقوع العديد من الحوادث المأساوية.
كشفت مصادر محلية عن تسجيل حالات وفاة متعددة جراء انهيارات أرضية في مواقع التنقيب العشوائي، بالإضافة إلى مخاطر صحية ناجمة عن التعامل غير الآمن مع المواد الكيميائية المستخدمة في استخلاص الذهب.
وينوه خبراء البيئة إلى أن هذه الممارسات تتسبب أيضًا في أضرار بيئية جسيمة تشمل تلوث مصادر المياه الجوفية وتدهور الغطاء النباتي في المناطق المحيطة بمواقع التنقيب، مما يهدد التوازن البيئي الهش في المنطقة.
آفاق مستقبلية ومناطق واعدة
لا يقتصر وجود الذهب في محافظة حجة على منجم الحارقة فحسب، بل تشير الدراسات الجيولوجية إلى وجود مؤشرات واعدة للذهب في عدة مناطق أخرى بالمحافظة.
فقد كشفت المسوحات الأولية عن احتمالية وجود ترسبات ذهبية في وادي شرس ووادي لاعة، بالإضافة إلى منطقة بلوك وادي مور.
تظهر التحليلات المخبرية لعينات من هذه المناطق وجود الذهب بنسب متفاوتة تتراوح بين 3 إلى 170 جرامًا لكل طن، وهي نسب مرتفعة جدًا مقارنة بالمعدلات العالمية المعتمدة للاستخراج التجاري.
ويرى الخبراء الاقتصاديون أن الاستثمار المنظم في هذه المناطق قد يشكل رافعة حقيقية للاقتصاد اليمني، حيث يمكن أن يوفر آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويدر عائدات سنوية بمئات الملايين من الدولارات، مما يساهم في تخفيف حدة الفقر وتحسين البنية التحتية في المحافظة التي تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية.
يمثل اكتشاف الثروات الذهبية في محافظة حجة فرصة تاريخية لتحويل مسار التنمية في واحدة من أفقر محافظات اليمن.
لكن تحويل هذه الإمكانات إلى واقع ملموس يتطلب استراتيجية وطنية شاملة تضمن الاستغلال الأمثل لهذه الموارد، وتوفير البيئة القانونية والتنظيمية المناسبة لجذب الاستثمارات الجادة، مع الحرص على حماية حقوق السكان المحليين والحفاظ على البيئة.
فالذهب الذي تختزنه جبال حجة ليس مجرد معدن ثمين، بل هو أمل لملايين اليمنيين الذين ينتظرون فرصة حقيقية للخروج من دائرة الفقر والحرمان.