حولت السيول الجارفة القادمة من محافظة لحج مديرية البريقة بالعاصمة عدن إلى منطقة منكوبة للمرة الأولى منذ أربعة عقود، بعد أن اجتاحت المياه المنحدرة من المرتفعات الشمالية أحياء واسعة في منطقة الحسوة وبئر أحمد، مخلفة دماراً هائلاً في الممتلكات العامة والخاصة.
أعلنت السلطة المحلية في مديرية البريقة تصنيف المنطقة رسمياً كـ"منطقة منكوبة" بعد الدمار الواسع الذي خلفته موجات السيول المتتالية التي تدفقت من مرتفعات لحج وتعز والضالع. شملت الأضرار انهياراً كلياً لعشرات المباني السكنية، فيما تضررت مئات المنازل الأخرى بدرجات متفاوتة، إضافة إلى محاصرة مئات الأسر داخل منازلهم بعد غمرها بالمياه بشكل كامل.
وصف مدير عام مديرية البريقة الدكتور صلاح الشوبجي الوضع بأنه "كارثي وخارج عن السيطرة"، مؤكداً تفاقم التداعيات مع استمرار تدفق السيول. الشوبجي نفسه نجا بأعجوبة أثناء محاولته إنقاذ مواطن جرفته المياه في الوادي الكبير، ما يعكس خطورة الأوضاع التي واجهها سكان المنطقة.
تسببت السيول في قطع الطريق الرئيسي المؤدي إلى المديرية، بينما جرفت عدداً من السيارات والحافلات وألحقت أضراراً فادحة بشبكات الكهرباء والاتصالات. كما اختلطت مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي في عدة أحياء، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية إضافية تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المختصة.
وبتوجيهات من وزير الدولة ومحافظ العاصمة عدن أحمد حامد لملس، انتشرت عشرات الآليات التابعة لصندوق النظافة والتحسين والمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في مختلف أحياء المديريات المتضررة. ركزت فرق الطوارئ جهودها على شفط المياه من مواقع التجمعات الرئيسية ومحاولة فتح الطرق المغلقة وإنقاذ الأسر المحاصرة.
قادت قوات الحزام الأمني بالتنسيق مع قوات الاحتياط وشرطة السير حملة ميدانية واسعة لتأمين مجاري السيول والمفترقات الرئيسية المحيطة بمنطقة الحسوة. غير أن هذه الجهود واجهت تحديات كبيرة، خاصة بعد غرق طقم عسكري أثناء عملية تأمين مجرى السيول، ما استدعى تعزيز إجراءات السلامة في عمليات الإنقاذ.
أفادت مصادر محلية بوصول موجة سيول ثانية عبر وادي الحسوة بعد ساعات قليلة من الأولى، وكانت أكثر اندفاعاً وقوة من سابقتها. هذا التطور رفع منسوب المياه في مناطق عدة وزاد من احتمالات وقوع مزيد من الأضرار، وسط تحذيرات مستمرة من خطورة الاقتراب من مجاري الأودية أو محاولة عبورها.
أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك للاطلاع على الإجراءات الحكومية المتخذة للحد من آثار المنخفض الجوي. استمع العليمي إلى تقرير أولي شامل حول الأضرار في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظات حضرموت ولحج وشبوة، مشيداً بجهود السلطات المحلية والمكاتب التنفيذية في التعامل مع الأزمة.
في ظل العجز التام في الإمكانيات المحلية، وجهت السلطة المحلية نداء استغاثة عاجلاً للمنظمات الدولية والأممية والإنسانية المحلية للتدخل الفوري. شمل النداء طلب توفير مأوى طارئ وحقائب إيواء شاملة للأسر المنكوبة، إضافة إلى مواد غذائية أساسية ودعم لوجستي وآليات شفط متخصصة لتصريف المياه المتجمعة.
أعربت لجنتا الخدمات والصحة والبيئة في مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي الجنوبي عن استعدادهما الكامل للوقوف إلى جانب السلطة المحلية في عدن. أكدت اللجنتان تقديم الدعم الفني واللوجستي والتنسيق مع الجهات المختصة في المجالين الصحي والخدمي، مؤكدتين أن ما تشهده عدن يتطلب تكاتفاً جماعياً وتكاملاً في الجهود الرسمية والمجتمعية.
شددت السلطة المحلية على أن هذه الكارثة كشفت هشاشة البنية التحتية وغياب منظومة تصريف مياه الأمطار المناسبة، إضافة إلى تفاقم مشكلة البناء العشوائي في مجاري السيول، وهو ما ساهم في تضاعف حجم الكارثة. أكدت أن تجاوز هذه الأوضاع يتطلب وضع حلول جذرية وعاجلة لبناء شبكة حديثة لتصريف مياه الأمطار وتطوير التخطيط الحضري.
تعتبر كارثة السيول الأخيرة في العاصمة عدن جرس إنذار خطير يسلط الضوء على ضرورة التدخل العاجل لإغاثة المنكوبين ومعالجة البنية التحتية المتهالكة. وبينما تواصل فرق الطوارئ والأجهزة الأمنية جهودها لإنقاذ الأرواح، يبقى الأمل معقوداً على سرعة الاستجابة الإنسانية والدعم الدولي لتخفيف مأساة آلاف الأسر المتضررة في هذه المحنة التي لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ عقود طويلة.
