يفجر الانقسام الاقتصادي في اليمن مفاجأة صادمة للمراقبين والمتعاملين في أسواق المال، حيث كشفت آخر البيانات المالية عن تفاوت مذهل يصل إلى ثلاثة أضعاف في قيمة الدولار الأمريكي بين محافظة عدن العاصمة الاقتصادية، ومحافظة صنعاء عاصمة الأمر الواقع، مما يرسم صورة قاتمة لواقع البلاد النقدي والاقتصادي المتشظي.
تشير أحدث التقارير المالية الصادرة اليوم الأربعاء 20 أغسطس 2025، إلى أن سعر صرف الدولار الأمريكي في أسواق عدن قد وصل إلى مستويات قياسية تتراوح بين 1617 ريالاً للشراء و1632 ريالاً للبيع، بينما يتداول نفس الدولار في أسواق صنعاء بأسعار منخفضة بشكل كبير تتراوح بين 535 ريالاً للشراء و540 ريالاً للبيع فقط.
هذا التباين الصارخ في أسعار العملة الأمريكية يكشف عن عمق الشرخ الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، حيث أن المواطن في عدن يحتاج إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب في صنعاء لشراء نفس كمية الدولارات. وينعكس هذا التفاوت المدمر على جميع جوانب الحياة الاقتصادية، بدءاً من أسعار السلع المستوردة وانتهاءً بقدرة المواطنين على الادخار والاستثمار في كلا المنطقتين.
ولا يقتصر هذا الانقسام المالي على العملة الأمريكية فحسب، بل يمتد ليشمل الريال السعودي أيضاً، حيث يتداول في عدن بأسعار تتراوح بين 425 و428 ريالاً يمنياً، مقارنة بـ140 إلى 140.5 ريال يمني في صنعاء. هذا التفاوت الحاد يضع المواطنين والتجار في موقف صعب، خاصة أولئك الذين يعتمدون على التحويلات النقدية أو التجارة بين المناطق المختلفة من البلاد.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا التباين الجوهري في أسعار العملات يعكس تأثيرات متعددة العوامل، تشمل اختلاف السياسات النقدية بين السلطات المختلفة، وتباين مستويات العرض والطلب على العملات الأجنبية، إضافة إلى صعوبات النقل والتداول بين المناطق المختلفة. كما تلعب القيود المصرفية والتحديات اللوجستية دوراً مهماً في تعميق هذه الفجوة السعرية الضخمة.
تمتد تأثيرات هذا الانقسام النقدي إلى أسواق الذهب أيضاً، حيث تشهد أسعار المعدن النفيس تفاوتاً ملحوظاً بين المدينتين. فبينما يصل سعر جرام الذهب عيار 21 في عدن إلى مستويات عالية تتراوح بين 150 ألف ريال للشراء و200 ألف ريال للبيع، نجد أن نفس العيار يتداول في صنعاء بأسعار أقل بكثير تتراوح بين 49,500 ريال للشراء و51,500 ريال للبيع.
وعلى الرغم من الاستقرار النسبي الذي تشهده أسعار الصرف مؤخراً، إلا أن الفجوة الكبيرة بين المناطق تظل مصدر قلق كبير للاقتصاديين والمراقبين. هذا الوضع يضع اليمن في موقف فريد عالمياً، حيث نادراً ما نجد دولة واحدة تعيش مثل هذا التباين الحاد في أسعار العملات الأساسية بين مناطقها المختلفة، مما يشير إلى تحديات هيكلية عميقة تتطلب حلولاً جذرية وشاملة لإعادة توحيد النظام النقدي والاقتصادي في البلاد.