في تحول نوعي يُعتبر الأول من نوعه منذ سنوات، شهد الريال اليمني تعافيًا ملموسًا بنسبة 50% في قيمته أمام العملات الأجنبية خلال الأيام الماضية. هذه الطفرة القوية في سعر الصرف تعود إلى حزمة من الإجراءات التي تبنّاها البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، والتي تتضمن تقييد عمليات المضاربة في الأسواق المالية، وتشديد الرقابة على شركات الصرافة، والتحكم في السيولة النقدية لضمان تعزيز الشفافية المصرفية.
تظل هذه الإنجازات مهددة ما لم تُتخذ خطوات أكثر شمولية لضمان استمراريتها. فعلى الرغم من التحسن الملحوظ لسعر صرف الريال الذي هبط من نحو 2900 إلى 1500 ريال للدولار، يشدد خبراء الاقتصاد على أن غياب إجراءات أشمل وأكثر تعمقًا قد يعيد الأزمة مجددًا خاصة في ظل الانقسامات المؤسسية بين صنعاء وعدن.
د. علي مهيوب العسلي، الخبير الاقتصادي، يُشير إلى أن الاقتصاد اليمني لا يزال يواجه تحديات جوهرية لا يمكن التغلب عليها إلا بتوحيد المنظومة المصرفية تحت مظلة البنك المركزي بعدن، وتعزيز ثقة الشعب بالمؤسسات المصرفية الرسمية. ويحذر من أن التركيز فقط على المعالجات المؤقتة يمكن أن يؤدي لعودة الأسواق السوداء، وتآكل الاحتياطي النقدي، وفقدان الثقة بالبنك المركزي.
في إطار تعزيز الجهود لتحقيق الاستقرار، أطلق رئيس الوزراء اليمني سالم صالح بن بريك حملة لمراقبة وضبط الأسعار في الأسواق المحلية. وأكد بن بريك ضرورة انعكاس تحسن سعر صرف الريال على أسعار السلع الأساسية، مشددًا على أن الرقابة على الأسواق مسؤولية تضامنية تتطلب تكاتفًا من مختلف الجهات الحكومية.
تأتي هذه الإجراءات متزامنة مع جهود الحكومة اليمنية لنقل عديد من مؤسساتها السيادية مثل وزارتا المالية والخارجية من الرياض إلى عدن، مما يعكس رغبة حقيقية في استعادة سيادة القرار الوطني والعمل بعمق داخل الأراضي اليمنية.
في ظل هذه التطورات الاقتصادية والسياسية، تواصل الحكومة وضْع أسس لتعزيز الحوكمة الاقتصادية، والتي تشمل معالجة تشوهات السوق المحلية وضمان استجابة أكثر مرونة لاحتياجات المواطنين. من هذه الجهود، المراقبة الفعّالة للأسواق لضمان التزامها بخفض الأسعار تلائم التحسن في سعر العملة، وخفض أسعار النفط والمشتقات النفطية.
مع استمرار هذا الزخم من الإصلاحات، تظل الإنجازات قابلة للتحقق شريطة الالتزام بإجراءات متكاملة وعميقة، تتضمن ضمنياً إشراك القطاع الخاص في صياغة سياسات اقتصادية وخلق بيئة مواتية تشجع الاستثمار المحلي والدولي على حد سواء. إن تعافي الريال اليمني يعتبر بداية واعدة لمسار طويل نحو التعافي الاقتصادي الشامل الذي لا يزال يتطلب دعمًا سياسيًا ومؤسسيًا قويًا لضمان النجاح.