في الوقت الذي تشهد فيه اليمن انقسامات سياسية واقتصادية حادة، برزت قضية جديدة تلقي بظلالها على المشهد النقدي المضطرب أصلاً.
وتتمحور القضية حول الكشف عن مصدر العملات النقدية الجديدة التي أعلنت سلطات صنعاء عن تداولها مؤخراً، حيث أماط مصدر مطلع اللثام عن حقائق مثيرة ومفاجئة تتعلق بمكان طباعة هذه العملات وكيفية دخولها إلى البلاد، في خطوة تهدد بتعميق الانقسام المالي في بلد يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية متتالية.
الكشف عن مصدر الطباعة ومكانها:
وفقاً لمعلومات كشفها مصدر مطلع لصحيفة "عدن الغد"، فإن العملات النقدية الجديدة التي أعلنت جماعة الحوثي عن بدء تداولها في الآونة الأخيرة، قد تم سكها وطباعتها في روسيا، في إجراء يتعارض مع الأطر القانونية المنظمة لعمليات إصدار العملة الوطنية.
وبحسب المصدر ذاته، فقد دخلت هذه العملات إلى الأراضي اليمنية عبر ميناء الحديدة قبل أكثر من عام كامل.
ويشير المصدر إلى أن هذه العملات ظلت مخزنة لفترة طويلة قبل أن تقرر سلطات صنعاء البدء في ضخها إلى السوق المحلية.
ويتعلق الأمر بفئتين من العملة هما 200 ريال ورقية و50 ريالاً معدنية، وهو ما يؤكد وجود خطة مسبقة لدى سلطات صنعاء للتعامل مع الوضع النقدي بشكل منفصل عن البنك المركزي في عدن، الأمر الذي قد يعمق الانقسام المالي بين شطري البلاد.
الإجراءات غير القانونية والتداعيات المحتملة:
يفيد المصدر أن عملية طباعة وإصدار هذه العملات تمت بشكل منفصل تماماً عن الأطر القانونية المعترف بها دولياً للبنك المركزي اليمني.
وأضاف المصدر أن شحنات العملة دخلت البلاد بطريقة غير معلنة، في خرق واضح للاتفاقيات والتفاهمات التي كانت تهدف إلى وقف الإجراءات النقدية الأحادية التي من شأنها تعميق الانقسام الاقتصادي في البلاد.
هذا التصرف ينذر بمخاطر جمة على مستقبل السياسة النقدية اليمنية، خاصة في ظل غياب أي تنسيق بين السلطات المالية في صنعاء وعدن.
في هذا السياق، يحذر خبراء اقتصاديون من أن هذه الخطوة ستؤدي حتماً إلى مزيد من التشظي في النظام المالي اليمني، وقد تفتح الباب على مصراعيه أمام فوضى نقدية غير مسبوقة.
وهناك مخاوف حقيقية من أن تتحول هذه الإصدارات النقدية الجديدة إلى عامل إضافي يضغط على العملة المحلية، خاصة في ظل غياب أي غطاء نقدي حقيقي يدعم هذه الإصدارات، وكذلك انعدام أي رقابة رسمية عليها.
كما يرى مختصون في الشأن الاقتصادي أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعزيز حالة الانفصال الاقتصادي بين المناطق الخاضعة لسيطرة مختلف الأطراف، وهو ما يُنذر بتداعيات خطيرة على مستقبل الاقتصاد اليمني برمته.
قلق في الأوساط الاقتصادية والمصرفية:
يتزامن الكشف عن هذه المعلومات مع تصاعد حالة من القلق والترقب في الأوساط الاقتصادية والمصرفية اليمنية، حيث يخشى المراقبون من تأثير هذه الخطوات على الاستقرار النقدي الهش أصلاً.
وتزداد هذه المخاوف مع استمرار تدهور سعر الصرف وتوسع نطاق السوق السوداء التي تستغل هذه الانقسامات لصالحها.
وفي السياق ذاته، تشير مصادر مصرفية إلى أن وجود عملتين مختلفتين في التداول - واحدة تصدر عن البنك المركزي في عدن وأخرى تصدر من صنعاء - سيخلق تحديات كبيرة أمام المواطن العادي، ويزيد من معاناته الاقتصادية.
ويبدو أن الأسواق المحلية قد بدأت تستجيب لهذه التطورات بحذر شديد، حيث لوحظت تقلبات في أسعار السلع الأساسية وتردد لدى التجار في قبول العملات الجديدة في بعض المناطق، مما ينذر بتفاقم الأزمة المعيشية التي يعاني منها المواطنون منذ سنوات طويلة.
إن المعلومات المكشوفة عن مصدر هذه العملات وطريقة دخولها إلى البلاد تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل النظام النقدي اليمني.
التحديات التي يفرضها هذا الوضع الجديد تتجاوز مجرد وجود عملتين مختلفتين في التداول، إلى إمكانية حدوث انهيار كامل للثقة في العملة المحلية، الأمر الذي قد يدفع المواطنين والتجار إلى الاعتماد بشكل متزايد على العملات الأجنبية في تعاملاتهم اليومية، وهو ما سيشكل ضربة قاصمة للسيادة النقدية اليمنية التي تآكلت بالفعل خلال سنوات الصراع.