في مشهد يذكرنا بقصص الاحتيال الكلاسيكية، تستعد العاصمة اليمنية صنعاء لما قد يكون أكبر عملية نصب مالي في تاريخها الحديث.
سيدة أجنبية استطاعت بمهارة فائقة أن تحيك خيوط مؤامرة مالية معقدة، مستغلة شغف المواطنين بالتكنولوجيا الحديثة والوعود بثروات سريعة عبر استثمارات وهمية في مجال الذكاء الاصطناعي.
وبدأت رحلة الاحتيال بوليمة عشاء فاخرة أشبه ما تكون "بالعشاء الأخير" لضحايا ينتظرون مصيراً مالياً قاتماً، في سيناريو يضع آلاف اليمنيين على حافة خسائر مالية فادحة.
عملية الاحتيال وتفاصيل الشركة الوهمية
تتمحور تفاصيل هذه القصة المثيرة حول سيدة من جنسية أجنبية اختارت صنعاء مسرحاً لمسرحيتها الاحتيالية، حيث أسست شركة وهمية تدعي تخصصها في مجال الذكاء الاصطناعي والاستثمارات التكنولوجية المتطورة. تشير المعلومات التي كشف عنها خبراء ماليون إلى أن هذه السيدة بنت استراتيجيتها على استغلال الاهتمام العالمي المتزايد بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مروجة لفرص استثمارية خيالية تعد بعوائد مالية سريعة ومضمونة.
بحسب ما أفاد به مراقبون اقتصاديون، اعتمدت المحتالة على أسلوب "التسويق الفاخر" من خلال تنظيم وجبات غذاء راقية في مطاعم العاصمة الفخمة لإيهام المستهدفين بحجم ثرائها ونجاح أعمالها. وكانت آخر هذه الولائم بمثابة "العشاء الأخير" قبل الشروع في المرحلة الحاسمة من الخطة، والتي تتضمن جمع مبالغ مالية ضخمة من المواطنين مقابل أسهم في شركة لا وجود لها على أرض الواقع، ودون أن تمتلك أي ترخيص قانوني أو مالي من الجهات الرسمية اليمنية.
ردود الفعل المحلية على عملية النصب
انتشرت الأخبار عن هذه العملية المشبوهة كالنار في الهشيم، مثيرة مخاوف وردود فعل متباينة في الشارع اليمني. حيث صرح الخبير المصرفي اليمني علي أحمد التويتي، الذي كان أول من نبه لخطورة الموقف، بأن صنعاء أصبحت للأسف مرتعاً خصباً للمحتالين من مختلف أنحاء العالم. وتداول التويتي عبر صفحته الشخصية على فيسبوك صوراً للوليمة التي أقامتها السيدة الأجنبية، واصفاً إياها بـ"العشاء الأخير"، في إشارة تحذيرية واضحة للمواطنين من مغبة الوقوع في فخ هذه العملية الاحتيالية.
كشفت مصادر محلية أن العديد من المواطنين أبدوا استياءهم الشديد من تكرار مثل هذه الحوادث في العاصمة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعيشها اليمنيون. وقد أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة توعية تحت عنوان "لا للاحتيال المالي"، داعين السلطات المحلية للتحرك السريع قبل وقوع الكارثة. جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها البلاد عمليات نصب مالية كبرى، لكن الخبراء يعتقدون أن حجم هذه العملية قد يكون غير مسبوق.
التحديات الرقابية والتنظيمية
تسلط هذه الحادثة الضوء على ثغرات خطيرة في المنظومة الرقابية والتنظيمية اليمنية، حيث تمكنت سيدة أجنبية من تأسيس شركة وهمية والترويج لها دون أن تواجه أي عراقيل قانونية تذكر. يقول محللون اقتصاديون إن غياب الرقابة الفعالة وضعف التنسيق بين مختلف الجهات الرسمية يفتح الباب واسعاً أمام المحتالين للعب في المساحات الرمادية والاستفادة من ثغرات النظام القانوني. إضافة إلى ذلك، فإن انشغال السلطات بملفات أخرى في ظل الأزمات المتعددة التي يعيشها اليمن، يجعل من مكافحة الجرائم المالية أمراً ثانوياً في سلم الأولويات.
وفي هذا السياق، يطالب المواطنون بتعزيز دور الجهات الرقابية وتفعيل القوانين الرادعة لمثل هذه الممارسات. وأوضح خبراء قانونيون أن اليمن يمتلك بالفعل منظومة تشريعية قادرة على التصدي لعمليات الاحتيال المالي، لكن المشكلة تكمن في آليات التنفيذ والمتابعة. كما دعا باحثون في الشأن الاقتصادي إلى ضرورة إنشاء هيئة متخصصة لمراقبة الاستثمارات الأجنبية وتنظيمها، خاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة والمجالات غير التقليدية، لحماية المواطنين من الوقوع ضحية للوعود الكاذبة والشركات الوهمية.
يبقى السؤال المطروح: هل ستتحرك السلطات اليمنية بالسرعة الكافية لوقف هذه العملية الاحتيالية قبل أن تتحول إلى كارثة مالية تضرب آلاف اليمنيين؟ وهل سيكون هذا الحادث بمثابة نقطة تحول في تعامل الدولة مع قضايا الاحتيال المالي؟ المؤشرات الحالية لا تبعث على التفاؤل، لكن الضغط الشعبي المتزايد قد يدفع نحو استجابة أكثر فاعلية من الجهات المعنية قبل فوات الأوان.






