تشهد أسواق المواشي في مدينة عدن اليمنية تحولات ملحوظة في الأسعار، كما كشفت النشرة الأخيرة الصادرة عن سوق المواشي بمنطقة دار سعد. هذه التغيرات أثارت نقاشات واسعة بين أوساط التجار والمستهلكين على حد سواء، خاصة مع اقتراب مواسم الاستهلاك العالي للحوم في المنطقة.
ويعتبر سوق الماشية في عدن من الأسواق المحورية التي تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد المحلي، حيث يعتمد عليه شريحة كبيرة من السكان، سواء العاملين في قطاع تجارة المواشي أو المستهلكين الذين يتأثرون بشكل مباشر بتذبذب الأسعار، مما يجعل أي تغير في هذا القطاع محل اهتمام ومتابعة دقيقة.
التغير في أسعار المواشي
أظهرت النشرة الصادرة اليوم الخميس الموافق 17 أبريل 2025 عن سوق المواشي بدار سعد في محافظة عدن، تغيرات ملحوظة في أسعار الماعز المحلي. وتشير البيانات المتاحة إلى أن سعر الماعز الذي يتراوح وزنه بين 7 إلى 9 كيلوغرامات قد وصل إلى حوالي 12 ألف ريال يمني للكيلوغرام الواحد. هذه الأرقام تعكس تحولاً في مؤشرات السوق مقارنة بالأسابيع الماضية، وفقًا لتقارير متداولة بين أوساط التجار في المنطقة.
وتشير مصادر محلية إلى أن هذه الأسعار تأتي في سياق ارتفاع تدريجي شهدته أسواق المواشي في عموم المحافظات الجنوبية خلال الأشهر الأخيرة. ويقول محمد سالم، أحد تجار المواشي في سوق دار سعد: "نشهد تذبذباً واضحاً في الأسعار منذ بداية العام الجاري، لكن الارتفاع أصبح أكثر وضوحاً خلال الشهر الحالي، مما وضع ضغوطاً إضافية على السوق".
بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ المراقبون للسوق أن هناك فجوة متزايدة بين أسعار أنواع مختلفة من المواشي، حيث تختلف الأسعار بين الماعز والأغنام والأبقار، مع تفاوت في نسبة الارتفاع بينها. وتفيد مصادر مطلعة على حركة السوق بأن أسعار الأغنام قد شهدت ارتفاعاً بنسبة أقل مقارنة بالماعز، بينما سجلت أسعار الأبقار استقراراً نسبياً مع ميل طفيف نحو الارتفاع.
يشار إلى أن العوامل المؤثرة في هذا التغير متعددة، منها ارتفاع تكاليف العلف والرعاية البيطرية، بالإضافة إلى تحديات النقل بين المناطق المختلفة، وتأثير الظروف المناخية على المراعي. ووفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن الوضع الاقتصادي العام في البلاد وتذبذب قيمة العملة المحلية يلعبان دوراً محورياً في رسم خريطة أسعار السلع الأساسية، بما فيها المواشي والمنتجات الحيوانية.
تداعيات ارتفاع الأسعار
أدى الارتفاع المسجل في أسعار المواشي بعدن إلى سلسلة من التأثيرات المباشرة على مختلف شرائح المجتمع. فعلى مستوى المستهلكين، أصبح الحصول على اللحوم أكثر صعوبة للأسر ذات الدخل المحدود، مما دفع البعض إلى تقليص استهلاكهم من البروتينات الحيوانية. وتؤكد سلوى عبد الله، ربة منزل من سكان مديرية المنصورة، أن "ارتفاع أسعار اللحوم جعل شراءها أمراً شبه أسبوعي بعد أن كان شبه يومي، وهذا يؤثر على التوازن الغذائي لأطفالنا".
أما على مستوى التجار وخاصة أصحاب المطاعم ومحلات الجزارة، فقد واجهوا معضلة حقيقية بين الحفاظ على هامش ربح معقول وبين خسارة الزبائن بسبب رفع أسعار منتجاتهم. وفي هذا السياق، يوضح عبد الرحمن مهدي، صاحب مطعم في منطقة كريتر: "نعاني من معادلة صعبة، فلا نستطيع تحمل ارتفاع تكلفة اللحوم دون رفع الأسعار، وفي نفس الوقت نخشى فقدان زبائننا إذا رفعنا الأسعار بشكل كبير".
وعلى الصعيد الاقتصادي الأوسع، تتسبب هذه التقلبات في خلق حالة من عدم الاستقرار في السوق المحلي بشكل عام. وبحسب تقرير صادر عن غرفة تجارة وصناعة عدن، فإن ارتفاع أسعار المواشي يمثل حلقة في سلسلة أطول من الارتفاعات التي تشهدها السلع الأساسية، مما يضغط بشكل أكبر على معدل التضخم ويزيد من صعوبة المعيشة للمواطن العادي. ناهيك عن تأثير ذلك على قطاع السياحة المطعمية التي تعتبر جزءاً مهماً من النشاط الاقتصادي في المدينة الساحلية.
ردود الأفعال الحكومية والاجتماعية
في ظل التحديات التي يفرضها ارتفاع أسعار المواشي، بدأت السلطات المحلية في عدن بمراقبة حركة السوق عن كثب. وتفيد مصادر مطلعة أن مكتب الصناعة والتجارة بالمحافظة قد شكل لجنة مختصة لمراقبة الأسعار ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي قد تؤدي إلى تضخيم الأسعار بشكل مصطنع. وصرح مصدر مسؤول في المكتب قائلاً: "نعمل على ضبط إيقاع السوق ومنع أي ممارسات غير قانونية تضر بالمستهلك، كما نبحث سبل التنسيق مع المربين لتشجيع زيادة المعروض من المواشي".
من جانبها، أعربت جمعية حماية المستهلك عن قلقها إزاء الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الغذائية بشكل عام والبروتينات الحيوانية بشكل خاص. وأشار بيان صادر عن الجمعية إلى ضرورة "إيجاد آليات فعالة للرقابة على الأسواق وضمان توفير السلع الأساسية بأسعار معقولة تراعي مستوى دخل المواطن اليمني". كما دعت الجمعية المواطنين إلى الإبلاغ عن أي ممارسات احتكارية أو رفع مصطنع للأسعار.
وعلى المستوى الشعبي، ظهرت مبادرات اجتماعية لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار، منها حملات التوعية بترشيد الاستهلاك وتنويع مصادر البروتين في الغذاء. وقد لوحظ انتشار منشورات على منصات التواصل الاجتماعي تقدم بدائل غذائية أقل تكلفة وذات قيمة غذائية جيدة. كما ظهرت مبادرات تعاونية بين بعض القرى المجاورة لتربية المواشي بشكل جماعي لتخفيض التكاليف وتوفير اللحوم بأسعار معقولة. ويقول أحمد علي، أحد المشاركين في هذه المبادرات: "المشكلة تحتاج إلى حلول جماعية، ولا يمكن للفرد وحده أن يواجه هذا الارتفاع المستمر في الأسعار".
تشير هذه التطورات في سوق المواشي بعدن إلى تحديات هيكلية أعمق في الاقتصاد اليمني، تتجاوز مجرد التقلبات الموسمية في العرض والطلب. فالارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية يعكس اختلالات في سلاسل التوريد وضعف في البنية التحتية للإنتاج الحيواني، بالإضافة إلى تأثيرات الصراع المستمر على كافة مناحي الحياة الاقتصادية.
وبينما تستمر المناقشات حول سبل معالجة هذه الأزمة، يبقى المستهلك العادي هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، متأثراً بشكل مباشر بكل تقلب في الأسعار. ولعل الحلول المستدامة تكمن في إعادة هيكلة قطاع الثروة الحيوانية بشكل يضمن استقراراً أكبر في الإنتاج والأسعار، مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي للفئات الأكثر تضرراً من هذه التقلبات.