تعاني مدينة عدن اليمنية هذه الأيام من أزمة كهربائية خانقة أغرقت شوارعها وأحياءها في ظلام دامس لساعات طويلة. فقد ارتفعت ساعات انقطاع التيار الكهربائي لتصل إلى سبع ساعات متواصلة مقابل ساعتين فقط من التشغيل، في تدهور ملحوظ للخدمة الحيوية التي تؤثر على كافة مناحي الحياة في المدينة. وبينما يعاني السكان من تداعيات هذه الأزمة، تكشفت مجموعة من الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الاستثنائي، دفعت بالسلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات طارئة في محاولة للتخفيف من وطأة المشكلة.
الأسباب وراء انقطاع الكهرباء الطويل
كشف مدير عام كهرباء عدن، الأستاذ سالم الوليدي، عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التدهور الحاد في خدمة الكهرباء بالمدينة. وأوضح أن توقف ضخ النفط الخام من خزان صافر يأتي في مقدمة الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة الخانقة، إذ يعتبر مصدراً أساسياً لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية في المدينة. هذا التوقف جاء متزامناً مع مشكلة أخرى لا تقل خطورة تتمثل في نفاد المخزون الاستراتيجي من المازوت، وهو الوقود الثقيل الذي تعتمد عليه بعض المحطات الرئيسية في عملية توليد الكهرباء.
يضاف إلى هذه الأسباب عامل آخر زاد من تعقيد المشكلة، حيث أشارت المصادر المحلية إلى أن محطة الحسوة الطافية -إحدى أهم محطات توليد الطاقة في عدن- قد توقفت عن العمل. وفي الوقت ذاته، تشير التقارير الواردة من المؤسسة العامة للكهرباء إلى نفاد مخزون الديزل، مما فاقم من حدة الأزمة وجعل من الصعب تشغيل المولدات البديلة التي كانت تستخدم في الحالات الطارئة. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى خلق واقع صعب على المؤسسة وجعلتها غير قادرة على تلبية احتياجات المدينة من الطاقة الكهربائية.
تأثير الأزمة على الحياة اليومية للمواطنين
انعكست أزمة الكهرباء بشكل مباشر على مختلف جوانب الحياة اليومية لسكان عدن. فمع ارتفاع درجات الحرارة في المدينة الساحلية، بات المواطنون يعانون من عدم القدرة على تشغيل أجهزة التكييف والتبريد لساعات طويلة، مما يزيد من معاناتهم خاصة خلال فترات الليل. كما تأثرت الخدمات الأساسية بشكل كبير، فانقطاع الكهرباء أدى إلى صعوبات في ضخ المياه للمنازل والمرافق العامة، وتعطل العديد من الأنشطة التجارية والصناعية التي تعتمد على الطاقة الكهربائية.
وتفيد التقارير المحلية بأن القطاع الصحي من أكثر القطاعات تضرراً، حيث تواجه المستشفيات والمراكز الطبية تحديات كبيرة في تشغيل الأجهزة الحيوية والاحتفاظ بالأدوية واللقاحات في درجات حرارة مناسبة. وعلى صعيد آخر، عبر العديد من أصحاب الأعمال الصغيرة عن استيائهم من تكبدهم خسائر مادية فادحة بسبب تلف البضائع التي تحتاج إلى تبريد مستمر، أو توقف إنتاجهم بسبب عدم القدرة على تشغيل المعدات الكهربائية لفترات كافية خلال اليوم.
الإجراءات المتخذة لمواجهة الأزمة
في ظل هذه الظروف الاستثنائية، بادرت المؤسسة العامة للكهرباء إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الطارئة للتعامل مع الأزمة. ويشير مدير عام كهرباء عدن إلى أن المؤسسة قد فرضت نظام التقنين على جميع محطات توليد الكهرباء في المدينة، بهدف توزيع الكمية المحدودة من الطاقة المتاحة بشكل عادل على مختلف المناطق. وقد تم وضع جدول زمني للانقطاعات المبرمجة بحيث لا تحرم منطقة معينة من خدمة الكهرباء لفترات أطول من غيرها، مع إعطاء الأولوية في التغذية الكهربائية للمنشآت الحيوية مثل المستشفيات ومحطات المياه.
بالتوازي مع ذلك، تشير مصادر محلية إلى أن السلطات المعنية تبذل جهوداً مكثفة للتواصل مع الجهات المسؤولة عن توريد الوقود، بهدف توفير كميات عاجلة من النفط الخام والديزل والمازوت لاستئناف تشغيل محطات التوليد بكامل طاقتها. وتجري محاولات أيضاً لإصلاح الأعطال الفنية في محطة الحسوة الطافية لإعادتها إلى الخدمة في أقرب وقت ممكن. وقد دعت المؤسسة العامة للكهرباء المواطنين إلى التعاون والتفهم خلال هذه الفترة الصعبة، والالتزام بترشيد استهلاك الطاقة خلال ساعات التشغيل لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من السكان من الخدمة المحدودة.
تظهر أزمة الكهرباء في عدن الحاجة الملحة إلى استراتيجيات أكثر استدامة في قطاع الطاقة باليمن. فالاعتماد على مصادر محدودة للوقود جعل المدينة عرضة لهذه الانقطاعات المتكررة. وبينما تستمر الجهود الحالية لمعالجة الأزمة الراهنة، يبدو أن الحل المستدام يكمن في تنويع مصادر الطاقة والاستثمار في البنية التحتية لشبكة الكهرباء وتطوير حلول الطاقة المتجددة التي يمكن أن توفر بديلاً أكثر استقراراً على المدى الطويل. وحتى ذلك الحين، يبقى سكان عدن في مواجهة يومية مع ظروف معيشية صعبة تفرضها عليهم هذه الأزمة غير المسبوقة.