تتسارع الخطوات نحو تعزيز العلاقات بين المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي، حيث كشف مسؤولون أوروبيون عن مساعٍ جادة لإعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد. تأتي هذه الخطوات في سياق تنامي الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين الطرفين، والتي تشهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.
وبحسب تصريحات سفير الاتحاد الأوروبي لدى المملكة العربية السعودية والبحرين وسلطنة عمان كريستوف فارنو، فإن العلاقات السعودية الأوروبية تشهد تحولاً إيجابياً في مختلف المجالات، لا سيما في قطاعات الطاقة المتجددة والنظيفة والابتكار التكنولوجي والتنمية المستدامة وتطوير البنية التحتية والتحول الرقمي، مما يعكس رغبة الطرفين في بناء شراكة استراتيجية مستدامة.
مساعي تعزيز التعاون الاقتصادي بين السعودية وأوروبا
في أروقة العاصمة الرياض ومقرات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، تتكثف الجهود لتطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين إلى آفاق أوسع. وقد أشار السفير فارنو في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط إلى تنامي حجم الاستثمارات المتبادلة بشكل ملحوظ، حيث ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر من السعودية إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2023 ليصل إلى 45.93 مليار يورو، مقارنة بـ44.21 مليار يورو في عام 2022. وبالمثل، نما الاستثمار الأوروبي المباشر في المملكة ليبلغ 30.6 مليار يورو، مقارنة بـ30.24 مليار يورو في العام السابق، مما يعكس مسار تصاعدي في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.
وتستند العلاقات الاقتصادية السعودية الأوروبية على ركائز متينة من المصالح المشتركة، تتمثل في التعاون الاقتصادي والاستثماري والطاقة والأمن والتبادل الثقافي. ويلفت السفير الأوروبي النظر إلى أن العلاقات الثنائية شهدت تحولاً نوعياً في السنوات الأخيرة، حيث توسعت مجالات التعاون لتشمل قطاعات مبتكرة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والتنمية المستدامة، وهي مجالات تتماشى مع توجهات رؤية المملكة 2030 وأهدافها الطموحة.
وتتجلى أهمية الشراكة السعودية الأوروبية في مواجهة التحديات العالمية المشتركة، بما في ذلك قضايا تغير المناخ وأمن الطاقة والتحول الرقمي. ويؤكد السفير فارنو أن هذه الشراكة ستلعب دوراً متزايد الأهمية في تشكيل المشهد الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة، مشيراً إلى الجهود المشتركة لمكافحة التغيرات المناخية وتعزيز المؤسسات متعددة الأطراف في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
الإعفاء من التأشيرات وتسهيلات التنقل السياحي
في خطوة تعكس عمق العلاقات المتنامية بين الجانبين، كشف سفير الاتحاد الأوروبي عن مساعٍ حثيثة تجري حالياً لإعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي. وأوضح فارنو أن المفوضية الأوروبية أصدرت في أبريل 2024 قواعد جديدة تمكن المواطنين السعوديين من الحصول على تأشيرات دخول متعددة وإقامة قصيرة صالحة لمدة تصل إلى خمس سنوات. وتطبق هذه القواعد أيضاً على مواطني دول الخليج الأخرى، بما فيها البحرين والكويت وقطر وعُمان، في إطار سعي الاتحاد الأوروبي لتعزيز التبادل السياحي والثقافي مع دول المنطقة.
وتعد هذه الخطوة مهمة ليس فقط في تسهيل التنقل بين الدول، بل أيضاً في تعميق العلاقات بين الشعوب وتشجيع التبادلات المنتظمة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية. ويأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه السعودية انفتاحاً سياحياً غير مسبوق، حيث تفتح أبوابها بشكل أكبر أمام السياحة الدولية، وتسعى لجذب المزيد من الزوار من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك السياح الأوروبيين.
ويشير السفير الأوروبي إلى أن أوروبا يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تطوير القطاع السياحي السعودي، مبيناً أن تعزيز التبادل السياحي وتسهيل وصول السياح الأوروبيين إلى المملكة، من شأنه أن يسهم في بناء تفاهم متبادل وشعور مشترك بالانتماء للمجتمع العالمي. وفي المقابل، فإن تسهيل إجراءات دخول السعوديين إلى دول الاتحاد الأوروبي سيعزز من فرص التبادل الثقافي والتجاري والسياحي، ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات.
التجارة والتعاون القطاعي المتزايد
على صعيد التبادل التجاري، كشفت البيانات التي قدمها السفير فارنو عن نمو ملحوظ في حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية. حيث ارتفعت صادرات الاتحاد الأوروبي من السلع إلى السعودية لتصل إلى 36.8 مليار يورو في عام 2024، مقارنة بـ34.2 مليار يورو في عام 2023، مما يعكس طلباً متزايداً على المنتجات الأوروبية في السوق السعودي. وشملت أبرز الفئات التجارية المنتجات الطبية والصيدلانية، والآلات الصناعية، ومركبات الطرق، ومعدات النقل، مما يبرز تنوع الصادرات الأوروبية إلى المملكة وتكاملها مع احتياجات السوق المحلي.
وفي المقابل، بلغت واردات الاتحاد الأوروبي من السعودية 3.3 مليار يورو، وهو ما يشير إلى وجود فرص كبيرة لتنمية الصادرات السعودية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي في المستقبل، خاصة مع توجه المملكة نحو تنويع اقتصادها وزيادة صادراتها غير النفطية في إطار رؤية 2030. وتعمل المملكة العربية السعودية مع الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق على مشروعات تتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030، لا سيما في مجالات الطاقة النظيفة وتطوير البنية التحتية والتحول الرقمي، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون المشترك في هذه القطاعات الحيوية.
وفي سياق متصل، أشار السفير الأوروبي إلى تطورات أخرى في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة، حيث قرر الاتحاد تعليق عدد من الإجراءات التقييدية المفروضة على سوريا، بهدف دعم تعافيها الاقتصادي وإعادة إعمارها. وتشمل هذه الإجراءات تعليق العقوبات في قطاعي الطاقة والنقل، وشطب خمس جهات من قوائم العقوبات، بالإضافة إلى السماح بالمعاملات مع البنك المركزي السوري، ومنح بعض الإعفاءات المصرفية لقطاعي الطاقة والنقل، مما يعكس مرونة في السياسة الأوروبية تجاه قضايا المنطقة.
تشكل المساعي المتسارعة لإعفاء السعوديين من تأشيرة الدخول إلى أوروبا خطوة هامة في مسار تعزيز العلاقات بين الجانبين، وتعكس الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة التي تجمع بين المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي. ومع تنامي حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الطرفين، وتوسع مجالات التعاون لتشمل قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والتنمية المستدامة، تتعزز فرص بناء شراكة استراتيجية مستدامة تخدم مصالح الجانبين وتسهم في مواجهة التحديات العالمية المشتركة، وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية.