الرئيسية / تقارير وحوارات / دار الحجر.. عروس اليمن
دار الحجر.. عروس اليمن

دار الحجر.. عروس اليمن

21 فبراير 2016 05:20 مساء (يمن برس)
في عام 1736، أصدر الإمام المنصور علي بن عباس ملك اليمن، قراراً ببناء قصر بوادي الظهر أحد الأماكن الصحراوية في محافظة صنعاء باليمن فوق قمة صخرة تسمى "الغرانيتية" وأطلق عليه اسم "وادي الحجر" نسبة إلى تلك الصخرة، التي كانت تحمل قصرا قديما كان يسمى "حصن ذي سيدان"، قامت ببنائه جماعة كان يطلق عليها الحميريون عام 3000 ق. م، ولكن بعد هجوم الأتراك على الأراضي اليمنية تم تدمير الحصن بالكامل.

وكلف الملك المنصور وزيره الخاص علي بن صالح العامري بتنفيذ القرار، فقد كان محبا للهندسة المعمارية والأدب والتأليف، لذلك قام ببناء القصر في أواخر القرن الثامن حتى يكون مقرا رئيسيا للملك صيفا.

ولكن بعد أن توارثه العديد من الملوك في القرن العشرين تم ترميم القصر على يد أحدهم ويدعى الملك يحيى حميد الدين، نتيجة تعرضه للإهمال والضرب بسبب الحروب الدائرة بين اليمن وبعض الدول المجاورة حينها.

وتتميز دار الحجر بتصميم معماري فريد، وهو ما دفع الجيش العثماني للاستحواذ على القصر سنوات عديدة، ليكون مقراً للحكم.

ويتكون القصر من حديقة ذات مساحة شاسعة تحيط بجهاته المختلفة، تتداخل مع البساتين الأخرى المحيطة لتشكل ساحة خضراء تجذب رواد القصر.

وتحتوي حديقة القصر على العديد من أشجار الفاكهة، مثل: العنب والفرسك والسفرجل، وبعض الأشجار الأخرى التي تتسم بالضخامة مثل الدوم، ولكن بعد توسعة الحديقة تم التخلص من تلك الأشجار واستبدالها بأخرى نادرة تسمى أشجار "الفات".

ويوجد داخل بستان القصر عدد من الغرف الصغيرة، التي كان يستخدمها الملك المنصور في متابعة النباتات، من خلال تكليف بعض الجنود بالمبيت فيها لحماية البستان من هجمات الجيوش التركية، خاصة بعد تعرضه للأمطار أثناء استيلاء الجيش العثماني عليه، مما أدى إلى جفاف الأرض وموت النباتات وتهدم أجزاء من القصر.

ومع تولي زمام الحكم الإمام عبدالله المنصور بعد وفاة والده الملك المنصور، أعاد بناء دار الحجر بعد انهياره مستخدما الحجر الحبشي، وهو من الأحجار الجيرية الأكثر قوة وضخامة، وأضاف إليه ثلاثة طوابق أخرى، لا يختلفون في جودة وبراعة العمارة كثيراً عن التصميم المعماري للطوابق الأولى من الدار.

وسكن دار الحجر أسرة الملك المنصور بعد اكتمال بنائه مباشرة وتركته عدة سنوات بعد انهياره، ثم عادت إليه عندما تم بناؤه للمرة الثالثة على يد الملك عبدالله المنصور، حتى تولى ابنه الملك الناصر مقاليد الحكم الذي أدخل على القصر بعض الأجزاء الإضافية، مثل: الساحة التي تتقدم واجهة القصر والبوابة الرئيسية المطلة على البستان.

وقامت في عهد الملك الناصر الكثير من الحروب مع إحدى قبائل وادي الظهر التي تسمى "آل همدان"، الذين استغلوا غياب حراس القصر وقاموا بقتله ليلا، ثم دفنوه مع الجنود المكلفين بحمايته بعد القضاء عليهم، أثناء وجوده في المنطقة الجنوبية لوادي الظهر، وبهذا الحدث كانت بداية حقبة تاريخية جديدة لخليفته الإمام يحيى، الذي قام ببناء مسجد في الجهة الشرقية من البستان مستخدما مادة الباجور، وهي مادة حمراء اللون تشبه الفخار في تماسكها.

ويتكون التخطيط العمراني للقصر بعد الساحة الفضاء من سبعة طوابق تتناسق مع التكوين الحجري لصخرة الغرانيتية، ومدخل رئيسي يتكون من جدران ضخمة شيدت من الحجر الجيري الأسود، وباب من الحديد يرتفع عن الجدران قليلاً ويوجد أمامه شجرة "الطالوقة" التي يبلغ عمرها 700 عام، يؤدي إليهما درج مزدوج يحيط به سور من الأحجار المتراصة والمتلاصقة بخليط من الجير الأبيض، يعلوه مجموعة من الأشكال الهندسية التي بنيت من الجبس وتتخذ شكل نصف دائرة، بالإضافة إلى الزخارف والرسومات الموجودة على سطحها الخارجي، والرموز الأثرية التي تعبر عن الأزمنة التاريخية والأحداث التي مر بها الدار.

ويقع داخل سور الدار بالقرب من البوابة مبنى يسمى الملحق، كان يستخدمه الملك المنصور لعقد اجتماعاته بالزائرين والقادة، وهو عبارة عن مبنى مستطيل الشكل يتكون من طابق جدرانه من الحجر، يتخللها مجموعة من النوافذ المزودة بأغطية زجاجية ذات اتجاهين، يعلوها أعتاب جيرية زخرفت برسومات متعددة نصف دائرية، يربط بين هذا المدخل ودار الحجر ممر رصفت أرضيته بأحجار ضخمة يؤدي إلى الطابق الأول.

ويحتوي الطابق الأول بالدار على قاعة كبرى خصصت لكبار الزوار يطلق عليها استراحة، يجاورها حوض ماء دائري الشكل شيد من الحجر الحبشي ذات اللون الأسود، بالإضافة إلى حجرة كان يطلق عليها قديما "المفرج"، خصصت لاستقبال الضيوف من أهل الوادي وأخرى تسمى غرفة الطعام، ويتكون الطابق الثاني من مجموعة من الغرف الصغيرة، التي استخدمت منذ إنشائها لأفراد أسرة الملك الناصر عبدالله المنصور.

كما يضم الطابق الثاني غرفة رئيسية تقع في واجهة الباب مباشرة، حيث تطل على واجهة البستان المقابلة لمدخل القصر، وتحتوي على جدران من الحجر الجيري يتوسط إحداها نافذة مربعة يعلوها رسومات وزخارف، يجاورها نافذتان صغيرتان مغطاة بأشكال هندسية مختلفة تجاور بعضها، يعلو كل منها زخارف تشبه قرص الشمس.

ويقول د. أحمد الصياد، الخبير الأثري: قصر باب الحجر تم تشييده بالنمط المعماري الصنعائي القديم، حيث يحتوي على العديد من المداخل والبوابات، مثل: مداخل للرجال، ومداخل للنساء، ومداخل للعاملات، ومجالس شتوية ومجالس صيفية، كما توجد غرفة تسمى "الخلوة"، وهي مخصصة للتعبّد وقراءة القرآن.

ويوضح أن دار الحجر تحتوي على خمس قاعات فخمة توجد في الطابق الثالث، وجميعها مربعة الشكل ويحيط بها شريط من الجير الأبيض، الموجود داخله رسومات وأشكال هندسية متعددة، ويعلو جميع الغرف فتحات صغيرة يتوسطها مربعات جيرية ملتصقة وممتدة من أعلى إلى أسفل، يفصل بينها وبين النوافذ الرئيسية أعتاب حجرية تبرز قليلا عن الجدران.

ويشير إلى الطابق الرابع الذي يحتوي على 3 غرف صغيرة، شيدت على مساحة أقل من مساحة الطوابق السفلى، يعلو سقفها مجموعة من الأعمدة الحجرية التي تربط بين الجدران التي شيدت فوق السقف، ويوجد في جوانبها الأربعة زوائد حجرية تم نحتها بشكل نصف دائري مغطاة بطبقة خارجية من الجير الأبيض.
 
شارك الخبر