"وحشتني وانت مش فارق معك، شجنن وعاد انت ما حسيت بي..خليت روحي وقلبي يتبعك، وبالأخير شوف ماسويت بي!"
هذه كلمات لأغنية صنعانية كتبها الشاعر يوسف شداد، وغناها يحيى عنبة، الفنان الشعبي الذي أفضل السماع لأغانيه في حال كانت إحدى الخيارات المطروحة بين أغاني أخرى لفناني صنعاء الآخرين، كصلاح الأخفش مثلا !
الأغنية تحكي حال فئة من قصص الحب الذي ينقصه كثير من صدق الشعور، تلك القصص التي مهما اختلفت بداياتها، إلا أنها غالبا ما تتشابه في مرحلة مابعد البداية؛ أن تحب أولا، وتقطع شوطا في العلاقة إلى أن تَمَلَّها، فتُقَلِّصها تدريجيا، ثم تهجرها حتى تكاد تنساها تماما، فتفعل، أو لايرضى عنك ضميرك فتبقى، ولكن بمسافة محكومة جدا، وذلك في أحسن الأحوال.
قبل أيام قليلة، استمعت إلى هذه الأغنية، بينما أنا مع عدد من الزملاء نتناقش في تفاصيل المستجدات السياسية للبلاد، نرسم خطة إصلاحٍ للملف الاقتصادي المنهار، ونحمل الحكومة -بعد عودتها طبعا- مسؤولية تنفيذه أو عدمه. ولاشك أنكم تعرفون كيف يتحول الناس إلى خبراء ومحللين -بل وأكبر من ذلك- في مجالس القات.
شدتني تماما الجملة الأولى في الأغنية، لكن ذاكرتي لم تقتدني لأتحسر على حب خسرته أو خسرني، ولماذا تفعل ذلك إن كان هذا لم يحدث أصلا ! ولا أنكر أن الأغنية حينها خلقت فيّ شعور الرغبة بعتاب شخص ما، استجابةً للعاطفة التي استحوذت على وجداني آنذاك.
فتّشت قليلا، وبينما أتصفح قائمة الشخصيات في رأسي، صادفت "هادي" رئيس الحكومة الشرعية، وشعرت بأنه الشخص الأجدر بأن يحظى بعتاب طويل، من مواطن قصر عمره جدا، واقترب من الموت أو اقترب الموت منه، دون أن ينل أبسط مايريد! حينها، لم أعاتبه بمفردي، لقد جمعت في مخيلتي شعور كل مواطن انتخب "هادي" رئيسا له، وقَبِلَ أن يكون مرؤوسه، في مرحلة فارقة من عمر الجمهورية اليمنية، وفي المقابل تركه هادي ورحل عنه في هجرة مفتوحة، غير آبهٍ بآلام الناس ولا آمالهم المرتبطة به والتي تحولت جحيما بفعل غيابه الطويل وانتظارهم لعودته التي لا يعلم ميعادها إلا الله، وهل يكون لها ميعاد أصلا؟! لا ندري.
عوّل ملايين اليمنيين على أن يكون هادي قائدا لمرحلة جديدة يرون فيها يمنًا آخر. فكان يمنا آااخر تماما، لقد خالف كل التوقعات، وخيّب كل الظنون. وكثيرة هي المرات التي خذل فيها هادي شعبه، وكثيرة هي المواقف الجميلة لشعبه معه، لكن هادي لم يبادلهم جمالا قط، لظروفٍ نعلمها أو لا نعلمها.
"تشتي هواهم وتشتيني معك؟!" هكذا تقول أغنية "عنبة" ياهادي. سيدي الرئيس، أعترف لك بأنّي ومن يقرأ الآن، لم نشتق لشخصك أبدا، لكنا حقا اشتقنا لأن نكون في دولة حاضرة معنا وفينا، تسمعنا، ترانا، وتواجه معنا مصيرا واحدا، هنا في هذه الأرض التي كانت تسمى ب"السعيدة" وصارت اليوم نقيض ذلك. تعال يا هادي، فوالله ليس من العدل أن تسعد ونشقى. تعال يا هادي، وانظر كيف تغيرت أحوال الناس، وصارت أحلامهم كسرة خبز وشربة ماء فحسب!
أتعلم سيدي الرئيس؟ لقد اختتم الفنان "عنبة" أغنيته بالقول: ماهكذا الناس تفعل يا بطل!
وأنا أختم حديثي هذا وأقول: الله يهديك وإلا يشلك. أما بالنسبة للأغنية، بإمكانك أن تسمعها على اليوتيوب إن كنت تريد أن تعرف عنها أكثر.