منذ العام ٢٠١٢م، وعند كل أزمة يمنية سياسية كانت أو اقتصادية، دائما ما تظهر أمام الناس فئة ترى في نفسها الشخصية الدفاعية عن الوطن الجمهوري، ومشروع دولة المؤسسات، وأهداف ثورة فبراير.. فئة تخلق التبريرات وتحاول إقناع الناس بأن كل ما يطفو على السطح من مساوئ ليست إلا ضريبة الحرية -تلك الحرية التي فقد الناس كل ما يملكون لأجلها ولم يصادفوها يوما- هذه الفئة تحارب المنطق وتدعي قراءتها للمشهد بعمق وتحلل التداعيات وفقا لمعطيات وهمية مخالفة تماما لما يدور على الأرض من مجريات.
وعلى كلٍ فإلم يكن من المنطق أن نصف هذه الطبقة كلها بأنها المستفيدة من انهيار الدولة منذ مابعد فبراير حتى اليوم، فإنه ليس من المنطق أيضا أن نقبل بنزاهتهم جميعا، منهم مستفيد والبقية وظفهم المستفيدون لصالحهم وخلقوا فيهم مرض ادعاء الخطورة وامتلاك الرؤية بعيدة المدى والنظرة الاستراتيجية التي تقرأ ما وراء الأحداث، وهمٌ استوطن ذواتهم منذ زمن وصار ملازما لهم حتى اليوم.
فبراير.. الذي كان ثورة عقيمة إلا من الصراعات والحرب الأهلية والمطامع الأجنبية، تمكن من إسقاط رأس النظام وحسب، وهذا محسوب على فشل الثورة لا نجاحها، لأن صالح الذي تنحى بطريقة أو بأخرى لم تكن النخب الثورية -وهي مجتمعة آنذاك- قادرة على أن تصنع فيها صالحٌ آخر بشقّه الصالح -الذي كان متمكنا تماما من إدارة أجهزة الدولة المختلفة وخلق آلية سياسية وإدارية تضع في حسبانها كل الاحتمالات- وهذا الفشل يتراكم من ذلكم الحين حتى لحظة كتابة هذا المنشور.
أكثر من عشر سنوات مضت منذ ميلاد فبراير، لم يكبر فيها فبراير حتى يوما واحدا، لقد مات وبقيت سيرته عِلّةً يشير الأغلبية إليها بأنها السر وراء كل ما يجري اليوم من أحداث ومستجدات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
منطقيا، لماذا لا يكون فبراير هو السبب فعلا وراء كل هذا؟ وهذا سؤال لا أبحث فيه عن إجابة الآن، لكنه يبحث عنها بعد عشر سنين إضافية من اليوم، علها تكون أكثر مصداقية عند كل واحد منا.
المواطن الآن يبحث عن ذاك الرغيف الصغير الذي كان يسير المنال قبل الثورة. أما الآخر الظاهر في الصورة فصار مبعث سخرية عند كل مواطن لا البعض، ولا أبالغ والله حين أقول كل.
ماتت الثورة، وعاش الناس والجوع قوتهم، وبقي صالح حيا في قلوب الكثير حتى من معارضيه، رغم أفعاله القبيحة إلا أن جمالا تركته ذكرياته، ولا يعرف ذاك الجمال إلا من عاش حينها بسيطا، أما السياسيون ممن هم في صفه أو ضده، فقد كانوا ملوكا ولم يتغير حالهم الآن إلّا إلى الأفضل، والضحية هو المواطن المسكين الذي قتله فبراير لأجل حياة أفضل يعيشها الآخرون.