في تطور يهز القلب ويفجر الغضب، تواصل المأساة الاقتصادية اليمنية فصولها الأكثر إيلاماً، حيث يدفع المواطن في عدن 1633 ريالاً للحصول على دولار واحد، بينما يحتاج نظيره في صنعاء لـ540 ريالاً فقط - فارق جنوني يبلغ 1088 ريالاً للدولار الواحد! هذا ليس خطأ في الحسابات، بل واقع مرير يعيشه 30 مليون يمني كل ثانية، في أكبر انقسام نقدي يشهده التاريخ العربي المعاصر.
فاطمة أحمد، أم لثلاثة أطفال من عدن، تبكي عندما تحسب تكلفة الأدوية لطفلها المريض: "راتب زوجي 150 ألف ريال، لكن بأسعار صنعاء كان سيساوي 450 ألف ريال! أطفالي يدفعون ثمن حرب لا ذنب لهم فيها." الأرقام تصرخ بوضوح: 286 ريالاً فرق لكل ريال سعودي واحد، ما يعني أن تكلفة الحج من عدن تزيد بأكثر من الضعف عن صنعاء، محولة الفريضة الدينية إلى حلم بعيد المنال لكثير من العائلات.
هذا الجنون الاقتصادي لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة 8 سنوات من الحرب التي مزقت النسيج المصرفي اليمني إرباً. الصراع على البنك المركزي، طباعة العملة في أماكن متعددة، والحصار الاقتصادي، حولت عملة واحدة إلى "عملتين منفصلتين تماماً" كما يصف د. عبدالله الحكمي، الاقتصادي اليمني. المشهد أسوأ من أزمة لبنان 2019، وأكثر تعقيداً من انقسام ألمانيا الشرقية والغربية، حيث الفارق هنا أكبر بثلاث مرات من أي نموذج تاريخي معروف.
المأساة الحقيقية تكمن في التأثير اليومي المباشر: زيارة الأقارب بين المدن تحولت إلى رحلة اقتصادية معقدة، والتسوق أصبح يتطلب معادلات رياضية. أحمد عبدالله، سائق نقل بين المدن، يروي: "أشاهد يومياً صدمة المسافرين عندما يكتشفون أن أموالهم فقدت ثلثي قيمتها بمجرد عبور نقطة تفتيش." الخبراء يحذرون من انهيار المدخرات وظهور طبقات اقتصادية جديدة محددة جغرافياً، ما يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني إلى الأبد.
عملة واحدة، بلد واحد، لكن اقتصادان منفصلان تماماً - هذا هو الواقع المرير الذي يعيشه اليمن اليوم. السؤال الأكبر الذي يؤرق الجميع: كم من الوقت يحتاج 30 مليون يمني ليعيشوا بعملة موحدة مرة أخرى؟ وهل سيشهد المستقبل توحيد هذا الجنون الاقتصادي، أم مزيداً من الانقسام الذي يحول أحلام الشعب اليمني إلى كابوس لا ينتهي؟