في اللحظة التي تقرأ فيها هذه الكلمات، أكثر من 18 مليون يمني يواجهون خطر الموت جوعاً، بعد أن كشف تقرير صادم لبرنامج الغذاء العالمي عن وصول الأزمة الغذائية في اليمن إلى مستويات «الأسوأ على الإطلاق». الأرقام مفزعة: 61% من الأسر باتت عاجزة تماماً عن تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية، فيما تصدرت اليمن قائمة الجوع العالمية متفوقة على دول تعيش حروباً أهلية منذ عقود. كل دقيقة تأخير تعني موت طفل يمني آخر من الجوع والمرض.
«أطفالي يسألونني عن الطعام وأنا لا أملك جواباً»، تقول فاطمة الحضرمي، الأم لأربعة أطفال التي نزحت من تعز وتعيش الآن في مخيم للنازحين. القصة تتكرر في كل بيت يمني، حيث كشف التقرير أن 19% من الأسر النازحة أفادت بأن أحد أفرادها أمضى يوماً كاملاً دون طعام، مقارنة بـ9% فقط بين السكان غير النازحين. د. أحمد الصوفي، منسق برنامج الغذاء في صنعاء الذي يعمل 16 ساعة يومياً لتوزيع المساعدات رغم المخاطر، يؤكد: «نشهد مأساة إنسانية حقيقية، والوقت ينفد بسرعة مرعبة».
هذه الكارثة ليست وليدة اللحظة، بل نتاج عقد كامل من الحرب المدمرة التي أدت إلى انهيار البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. الصراع المسلح المستمر، والانقسام السياسي، وتراجع المساعدات الدولية، جميعها عوامل ساهمت في تفاقم الأزمة. د. سارة المؤيد، خبيرة التغذية في منظمة الصحة العالمية، تحذر: «نواجه كارثة إنسانية بأبعاد لم نشهدها من قبل، الوضع أسوأ حتى من مجاعة الصومال في التسعينات التي هزت ضمير العالم». والأرقام تؤكد كلامها: ثلث الأسر اليمنية تعاني من سوء استهلاك الغذاء، بينما ارتفعت معدلات الحرمان الشديد في محافظات البيضاء والضالع وريمة والجوف وحجة.
المأساة تتجاوز الأرقام الباردة لتلامس واقع مؤلم يعيشه ملايين اليمنيين يومياً. عائلات تبيع ممتلكاتها الأخيرة لشراء كسرة خبز، أطفال يتركون مقاعد الدراسة للبحث عن لقمة العيش، أمهات يشاهدن أطفالهن يذبلون أمام أعينهن بلا حول ولا قوة. الأسر التي تعيلها نساء هي الأكثر تضرراً، حيث وصلت نسبة الجوع بينها إلى 17%. محمد العنسي، متطوع في الهلال الأحمر، يروي مشاهد مؤلمة: «رأيت أطفالاً يأكلون أوراق الشجر من شدة الجوع، ومرضى يموتون في المستشفيات ليس بسبب المرض، بل بسبب سوء التغذية». الخبراء يحذرون من موجة نزوح جديدة نحو الدول المجاورة إذا لم يتم التدخل العاجل، مما سيضع ضغطاً إضافياً على الموارد الإقليمية.
أمام هذا المشهد المروع، يبقى السؤال الأهم معلقاً في ضمير الإنسانية: هل سيقف العالم مكتوف الأيدي أمام موت الأبرياء جوعاً، أم أن الضمير الإنساني سيتحرك قبل فوات الأوان؟ الوقت ينفد بسرعة، والأرواح تزهق كل يوم، فيما تستمر المناشدات الدولية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. التبرع للمنظمات الموثوقة، والضغط على الحكومات للتدخل، ونشر الوعي حول هذه الأزمة، قد تكون الفرصة الأخيرة لمنع كارثة إنسانية تاريخية في اليمن.