في تطور مذهل هز شبكة الأرصاد السعودية، سجلت 65 محطة رصد خلال 24 ساعة فقط كميات أمطار متفاوتة بشكل صادم تصل إلى 62 ضعفاً بين أعلى وأقل معدل! الخفجي تحطم الأرقام بـ31 ملليمتر - ما يعادل 31 ألف لتر لكل هكتار تتساقط من السماء كالشلال، بينما مناطق أخرى تكتفي بقطرات معدودة. بينما تقرأ هذه الكلمات، ثروة مائية حقيقية تتدفق على 4 مناطق سعودية، والسؤال المحوري: هل تعرف كم تساوي هذه الكمية حقاً؟
المنطقة الشرقية تخطف الأضواء بتسجيل أرقام قياسية مذهلة، حيث حققت الخفجي المركز الأول بـ31.0 ملليمتر، تليها جزيرة جنة بالجبيل بـ25.4 ملليمتر. "لم أر مثل هذا الانهمار منذ سنوات طويلة"، يقول المهندس سعد الخالدي، رئيس محطة رصد الخفجي، وهو يشاهد أجهزة القياس تسجل أرقاماً تاريخية. الرطوبة تملأ الأجواء، ورائحة التراب المبلل تعطر المكان، بينما تتكون برك مائية لامعة تعكس ضوء الشمس المتسلل عبر الغيوم. في المقابل، أبو عبدالله المطيري، مزارع من القصيم، يراقب بحسرة حقوله التي حصلت على 0.5 ملليمتر فقط.
خلف هذا التباين المذهل تقف عوامل جغرافية ومناخية معقدة، حيث تلعب الرياح الشرقية المحملة بالرطوبة من الخليج العربي دوراً محورياً في تركيز الأمطار على المناطق الساحلية. التضاريس المتنوعة للمملكة، من السهول الساحلية في الشرق إلى الهضاب الوسطى، تخلق "جدران طبيعية" تحبس الرطوبة وتحولها إلى أمطار غزيرة. هذا النمط يشبه ما حدث في شتاء 2020، عندما شهدت المناطق الساحلية معدلات استثنائية، بينما بقيت المناطق الداخلية عطشى تنتظر نصيبها من السماء.
الحياة اليومية تتغير بوتيرة سريعة في المناطق المحظوظة، حيث يعيد المزارعون النظر في خطط الري للأسابيع القادمة، بينما تمتلئ خزانات المنازل مجاناً لأول مرة منذ شهور. "امتلأت خزانات منزلي خلال ساعات قليلة، ووفرت مئات الريالات على فاتورة المياه"، تروي أم محمد الغامدي من الجبيل بفرح واضح. التوقعات تشير إلى تحسن مستويات المياه الجوفية، وازدهار الغطاء النباتي البري خلال الأسابيع القادمة، لكن المخاوف تتزايد من احتمالية حدوث فيضانات مفاجئة في المناطق منخفضة الارتفاع. ردود الأفعال متباينة: احتفال في مزارع الشرقية، ترقب حذر في الرياض، وأمل ممزوج بالقلق في المناطق التي لم تحصل على نصيبها بعد.
65 محطة رصد تحكي قصة التنوع المناخي الفريد للمملكة - من 31 ملليمتر في الخفجي إلى 0.5 ملليمتر في الشماسية، أرقام تعكس ثراء جغرافياً مذهلاً وتحدياً بيئياً حقيقياً. الأيام القادمة ستكشف ما إذا كان هذا الحدث مجرد بداية لموسم استثنائي أم حلقة عابرة في مسلسل التقلبات المناخية. لا تدع هذه الثروة المائية تذهب سدى - اجمع كل قطرة، استثمر في أنظمة تجميع المياه، وكن مستعداً للاستفادة القصوى من كل هطول مقبل. السؤال الحتمي الذي يطرح نفسه الآن: عندما تصل الأمطار إلى منطقتك، هل ستكون مستعداً لتحويل كل قطرة إلى استثمار طويل الأمد؟
