في مشهد يحبس الأنفاس ويهز القلوب، تحدى 50 ألف مؤمن كل قيود الاحتلال الإسرائيلي وملؤوا ساحات المسجد الأقصى المبارك لأداء صلاة الجمعة، بينما كان على بعد أميال قليلة رضيع فلسطيني يبلغ من العمر 29 يوماً فقط يلفظ أنفاسه الأخيرة من البرد القارس في خيمة للنازحين. هذا التناقض المأساوي يلخص واقع فلسطين اليوم - بين الصمود في وجه الاحتلال والموت البطيء تحت وطأة الحصار.
انتشرت قوات الشرطة الإسرائيلية كالأشباح بين صفوف المصلين، تفتش وتعتقل وتمنع، في محاولة يائسة لكسر روح المقاومة. لكن المشهد الأكثر إيلاماً كان في قطاع غزة، حيث كشفت منظمة الصحة العالمية أن 1092 مريضاً قد فارقوا الحياة وهم ينتظرون الإجلاء الطبي منذ يوليو الماضي. "رقم يعادل محو قرية كاملة من الوجود صحياً"، كما وصفه تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية.
وفي الضفة الغربية، اقتحمت قوات الاحتلال منزل الأسير المحرر منصور الشحاتيت الذي قضى 17 عاماً من حياته - ثلث عمره - في السجون الإسرائيلية، معظمها في العزل الانفرادي المدمر نفسياً. خرج من السجن ليجد نفسه غريباً عن والديه، مشتتاً ومحطماً، ومع ذلك لم تتركه آلة القمع الإسرائيلية في حاله. هذه القصة تتكرر مع آلاف الفلسطينيين الذين يدفعون ثمن حلمهم بالحرية.
في مستشفى ناصر جنوب غزة، سطرت منظمة "أطباء بلا حدود" مأساة جديدة: رضيع فلسطيني عمره 29 يوماً فقط توفي من انخفاض حاد في درجة الحرارة بعد ساعتين من وصوله للمستشفى. طفل لم يعش ليرى شهره الثاني، ضحية حرب لم يختر أن يولد فيها. وبينما تؤكد الأونروا أن 1.6 مليون شخص لا زالوا في وضع غذائي حرج، تستمر منظمة "بتسيلم" الحقوقية في توثيق ما وصفته بـ"الإبادة الجماعية المستمرة" بحق سكان القطاع.
50 ألف مصلٍ يتحدون الاحتلال في الأقصى، أكثر من ألف مريض يموتون انتظاراً للعلاج، ورضيع يقتله البرد في خيمة النزوح - هذه هي فلسطين اليوم. بين الصمود والمعاناة، بين الأمل واليأس، يواصل الشعب الفلسطيني كتابة ملحمة البقاء. السؤال الذي يؤرق الضمائر الحية: هل سيظل العالم شاهداً صامتاً على هذه المأساة الإنسانية، أم ستتحرك الضمائر أخيراً قبل فوات الأوان؟