في تطور صادم هز الأوساط التجارية في اليمن، أُغلق 98 متجراً ومنشأة تجارية في صنعاء خلال شهر واحد فقط، بمعدل يفوق 3 متاجر يومياً، في أكبر حملة تضييق اقتصادي ممنهجة تشهدها العاصمة منذ سنوات. الحوثيون يطبقون شعار "ادفع أو تُغلق" بلا رحمة، والتجار يصرخون: "نحن نُبتز علناً ولا أحد يحمينا!"
أحمد المحطوري، 45 عاماً، تاجر بقالة في حي السبعين، يروي مأساته بعينين محملتين بالدموع: "اقتحموا متجري في السادسة صباحاً وطالبوني بـ 200 ألف ريال فوراً. لم أملك سوى 50 ألفاً، فأغلقوا المحل وختموه بالشمع الأحمر. ستة أطفال يسألونني: متى سنأكل يا أبي؟" هذا المشهد المؤلم يتكرر يومياً في شوارع صنعاء، حيث نفذت 40 لجنة ميدانية حوثية مداهمات طالت 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة، تاركة وراءها دماراً اقتصادياً حقيقياً.
الأرقام تكشف حجم الكارثة: 190 منشأة دفعت غرامات فورية تُقدر بشكل عشوائي حسب حجم البضائع، بينما يواجه مئات التجار الآخرين مصيراً مجهولاً. هذه الحملة ليست وليدة اليوم، بل تأتي في سياق تراجع الموارد المالية للجماعة الحوثية وحاجتها المتزايدة لتمويل أنشطتها العسكرية والتعبوية. "الوضع يشبه نظام الإقطاع في العصور الوسطى"، يقول د. محمد العولقي، خبير اقتصادي يمني، "حيث كان الأقنان يدفعون الإتاوات للإقطاعيين، والآن التجار يدفعون للحوثيين أو يُغلقون متاجرهم."
التداعيات تتجاوز الأرقام الجافة لتطال حياة مئات الآلاف من اليمنيين. فاطمة السنعاني، 38 عاماً، صاحبة محل خياطة صغير، نجت من الإغلاق بأعجوبة بعد أن نظم سكان حيها حملة تضامن لمساعدتها في دفع الإتاوة المفروضة. "كنت أرتجف وأنا أعد آخر ريالاتي", تروي فاطمة, "الخوف يأكلني كل ليلة من طرق الباب في الصباح." هذا الرعب اليومي يعيشه آلاف التجار، بينما يحذر المراقبون من أن استمرار هذا النهج سيحول صنعاء إلى "صحراء اقتصادية" خالية من الحياة التجارية.
الأخطر من كل ذلك أن هذه ليست سوى البداية. تقارير دولية تحذر من توسع الحملات لتشمل مناطق أخرى، مما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل وتفاقم الأمن الغذائي لملايين اليمنيين. المعادلة واضحة: كل متجر يُغلق يعني أسرة تفقد مصدر رزقها، وكل إتاوة تُفرض تُضيّق الخناق أكثر على شعب ينزف اقتصادياً منذ سنوات. هل ستكتفي الأسرة الدولية بالمراقبة بينما تحترق صنعاء اقتصادياً، أم ستتدخل قبل أن يصبح الإنقاذ مستحيلاً؟