في لحظة مدمرة لن تمحوها الذاكرة، تحولت أحلام عائلة مصرية بحياة أفضل إلى كابوس دامي على طرق مكة المكرمة، حيث انطفأت أربعة أرواح في ثوانٍ معدودة - المهندس أحمد عبدالعليم وزوجته وطفلهما الرضيع البالغ من العمر 7 أشهر فقط. بينما تقرأ هذه الكلمات، آلاف المصريين على طرق السعودية يواجهون نفس المخاطر، غافلين عن أن الموت قد يكون على بُعد منحنى واحد من الطريق.
محمد طاهر، صديق الطفولة الذي فقد رفيق 30 عاماً في لحظة واحدة، يروي بصوت مختنق: "كان إنسان طيب ومحبوب وصاحب مواقف وجدعنة ولا تفارق وجهه الضحكة". الآن تحولت هذه الضحكة إلى ذكرى مؤلمة، وتحولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى دفتر عزاء أسود، بينما تسيطر موجة حزن طاغية على قرية كفر العرب ببنها، حيث يبكي الجميع فقدان عائلة كاملة كانت تسعى لحياة أفضل فوجدت الموت بدلاً من الأمل.
خلف هذه المأساة قصة مؤلمة تتكرر يومياً: مهندس مصري ترك وطنه وأهله بحثاً عن فرص أفضل في السعودية، حاملاً معه زوجته وطفله الرضيع الذي لم يكمل عامه الأول. كان أحمد من أبناء الطبقة المتوسطة المكافحة، معروفاً بإخلاصه وهدوئه وسمعته الطيبة، سواء في فترة الدراسة أو الحياة العملية. لكن أحلامه البسيطة في بناء مستقبل أفضل لطفله تحطمت على صخرة القدر القاسي، في حادث يذكرنا بمآسي العائلات المصرية في حوادث العبّارات والطرق عبر التاريخ.
اليوم، تواجه آلاف العائلات المصرية المغتربة نفس المخاطر، محاصرة بين ضغوط العمل والمسافات الطويلة والإجهاد النفسي. أبو محمد، جار العائلة في كفر العرب، يقول بحرقة: "كانوا يحلمون بالعودة لبناء بيت جديد، واليوم نستقبل جثامينهم". فبينما تزداد أعداد المغتربين المصريين في السعودية، تتضاعف المخاطر التي يواجهونها، من حوادث الطرق إلى ضغوط العمل، دون وجود أنظمة حماية كافية أو برامج دعم نفسي واجتماعي.
والسؤال المؤلم الذي يطرح نفسه اليوم: كم من العائلات الأخرى ستدفع ثمن أحلامها بحياتها؟ هل سنكتفي بالبكاء على الضحايا دون اتخاذ خطوات جدية لحماية المغتربين؟ إن ذكرى أحمد وأسرته تستحق أكثر من مجرد دموع - تستحق تغييراً حقيقياً في أنظمة السلامة والحماية، وبرامج دعم شاملة، وتأميناً حقيقياً على حياة من يغادرون أوطانهم بحثاً عن لقمة العيش الكريم.