في لحظة تحبس فيها الأنفاس، يتجمع ملايين اليمنيين حول شاشات هواتفهم منتظرين رقماً واحداً قد يحدد مصير يومهم بأكمله - سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني. في عدن اليوم، 30 مليون مواطن ينتظرون إجابة سؤال مؤلم: هل ستكفي رواتبهم لشراء ضروريات الحياة؟ الأرقام المعلنة اليوم تحمل في طياتها صدمة جديدة لشعب يصارع منذ عقد كامل ضد انهيار اقتصادي لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً له.
في أسواق الصرافة المكتظة بشارع المعلا، تنتشر الهمسات المذعورة بين التجار والمواطنين وهم يتابعون التحديثات اللحظية لأسعار العملات. "راتبي الشهري لا يساوي اليوم ما كان يساويه راتب يومين قبل الحرب"، تقول أم سعاد، الموظفة الحكومية التي تقف في طابور طويل أمام أحد محلات الصرافة، وعيناها تحملان دموعاً محبوسة من الإحباط. أحمد الصراف، الذي يدير واحداً من أكبر محلات تبديل العملة، يشهد يومياً على معاناة مواطنين يحاولون يائسين حماية ما تبقى من مدخراتهم: "نرى وجوهاً جديدة كل يوم، وجوه محطمة تبحث عن معجزة في عالم الأرقام القاسي".
الأرقام المعلنة اليوم تأتي في سياق كارثة اقتصادية مستمرة منذ بداية الحرب في 2014، عندما كان الدولار الواحد يساوي 215 ريالاً يمنياً فقط. اليوم، وبعد عقد من الدمار, قيمة الريال اليمني انهارت بأكثر من 80%، محولة مدخرات الأجيال إلى أوراق لا قيمة لها. الخبير الاقتصادي د. محمد عبدالله يقارن الوضع الحالي بانهيار الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الأولى: "ما نشهده اليوم في اليمن هو تسونامي اقتصادي حقيقي، والمواطن العادي هو من يدفع الثمن الأغلى". انقسام البنك المركزي بين عدن وصنعاء، توقف صادرات النفط، والحصار الاقتصادي المفروض، كلها عوامل تضافرت لتحويل الريال اليمني إلى عملة تذوب مثل الثلج تحت شمس الصحراء الحارقة.
من محل الخضار في كريتر إلى صيدلية في المنصورة، تحولت عملية التسوق اليومية إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر المالية. خالد المغترب في السعودية يروي معاناته: "أرسل 500 دولار لأهلي كل شهر، لكن ما يصلهم بالريال اليمني بات لا يكفي لأسبوع واحد فقط". ربات البيوت يضطررن لإعادة حساباتهن كل صباح، متسائلات عما إذا كانت أموالهن ستكفي لشراء الأساسيات. النتائج المتوقعة مرعبة: خبراء الاقتصاد يحذرون من موجة تضخم جديدة قد تدفع بملايين إضافية تحت خط الفقر، بينما تتآكل المدخرات الشخصية بوتيرة متسارعة. الأطباء يسجلون ارتفاعاً في حالات القلق والاكتئاب المرتبطة بالضغوط المالية، حيث باتت مراجعة أسعار الصرف طقساً يومياً مؤلماً لملايين الأسر.
أرقام اليوم في عدن ليست مجرد أرقام، بل قصص حقيقية لشعب يقاوم الانهيار بكل ما أوتي من قوة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح: هل ستصمد الأسر اليمنية أمام موجة التدهور الاقتصادي القادمة؟ الخبراء ينصحون المواطنين بضرورة اتخاذ إجراءات وقائية فورية: تنويع المدخرات، الاستثمار في الذهب أو العقار، وتجنب الاحتفاظ بمبالغ كبيرة بالريال اليمني. المستقبل يحمل تحديات أكبر، لكن الشعب اليمني أثبت مراراً قدرته على التحمل والبقاء. هل ستجد الحكومة والمجتمع الدولي حلولاً سريعة لوقف هذا النزيف الاقتصادي، أم أن المواطن اليمني سيواصل دفع فاتورة حرب لم يختر خوضها؟