في تطور صادم يضرب أعماق الاقتصاد اليمني، الدولار الواحد يُباع بـ 1630 ريالاً في عدن، بينما يبلغ سعره في صنعاء 540 ريالاً فقط. اليمن، الذي يُعاني من أزمات متعددة، يشهد حالياً فجوة سعرية هي الأضخم بين مدنه الرئيسية، حيث تصل الفجوة إلى 202%، متسببة بصدمة كبيرة للمواطنين والتجار على حد سواء.
هذا التفاوت غير المسبوق في أسعار الصرف يُعزى إلى انقسام السلطة النقدية منذ عام 2014، ما أدى إلى تفاوتات كارثية في السياسات النقدية لكل من صنعاء وعدن. "إنه ليس مجرد تذبذب عادي، هذا انهيار لمنظومة نقدية بأكملها"، بحسب ما ذكره أحد الخبراء الاقتصاديين المطلعين. في عدن، يشهد المشهد المالي حركة نشطة حيث يُحاول المتعاملون استغلال فارق السعر الضخم، بينما في صنعاء، تعاني العائلات التي تعتمد على التحويلات المالية من خسارة تصل إلى 65% من قيمة مدخراتها. أحمد المحطوري، موظف حكومي في صنعاء، يضطر لتحويل راتبه لعائلته في عدن، ليشعر بضياع معظم أمواله بسبب هذا الفارق الكبير.
ورغم أن الأسباب المباشرة تتعلق بانقسام السلطة النقدية، فإن الخلفية التاريخية للحرب الأهلية المستمرة منذ 2015، والتي أودت بحياة الاقتصاد اليمني، تعد جزءاً لا يتجزأ من المشكلة. هذا الأمر يُشبه ما حدث في دول أخرى مثل لبنان وفنزويلا، حيث أدت السياسة النقدية المتضاربة ونقص السيولة إلى انهيار مماثل. الخبراء يحذرون من خطر انهيار اقتصادي شامل إذا لم يتم اتخاذ خطوات لإصلاح الوضع، مما قد يؤدي إلى كارثة حقيقية مشابهة لانهيار الجمهورية الألمانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
على مستوى الحياة اليومية، يجد المواطنون صعوبة متزايدة في شراء الاحتياجات الأساسية من الطعام والدواء، ويتفاقم الوضع مع تعطل التجارة بين المدن بسبب التفاوت في القدرة الشرائية. بعض المغتربين أبدوا قلقهم من إرسال التحويلات لأقاربهم في اليمن، خوفاً من استنزاف أموالهم. في هذا السياق، تأتي التحذيرات من الاحتفاظ بالريال اليمني والدعوة إلى التحويل إلى عملات أخرى أو الذهب، في خطوة يراها البعض كفرصة للتخفيف من حدة الأزمة. وبينما يُواجه الشارع اليمني غضباً شعبياً في صنعاء وقلقاً متزايداً في صفوف المغتربين، فإن التدخل الدولي قد يكون الشمعة الوحيدة في نهاية النفق.
في هذا السياق، تُختتم هذه الأزمة الاقتصادية بضرورة اتخاذ خطوات عملية وفعّالة لتوحيد النظام النقدي، وإلا سيظل السؤال معلقاً: كم من الوقت يمكن لاقتصاد أن يصمد وهو منقسم على نفسه؟ دعوة لجميع الجهات المعنية للحفاظ على المدخرات وتجنب الانهيار الكارثي الذي يلوح في الأفق، والذي قد يجبر البلد على العودة لنظام المقايضة كخيار أخير.