في مشهد اقتصادي يثير الذهول، تستيقظ اليمن كل صباح على واقع مدمر: نفس الدولار الواحد يُقيم بـ 1629 ريالاً في عدن بينما لا يتجاوز 534 ريالاً في صنعاء - فارق صادم يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف القيمة في بلد واحد! هذا الانقسام الجنوني في أسعار الصرف يحول الوطن الواحد إلى عالمين اقتصاديين متضادين، حيث يكفي تغيير المحافظة لتفقد ثلثي قوتك الشرائية أو تضاعفها ثلاث مرات.
بينما يحتفل البنك المركزي في عدن بما يسميه "استقرار الريال اليمني"، يعيش ملايين المواطنين في صنعاء كابوساً اقتصادياً حقيقياً. الفجوة البالغة 1095 ريالاً في سعر الدولار الواحد تعني أن المعلمة في صنعاء تحصل على راتب يعادل ثلث راتب زميلتها في عدن رغم نفس المؤهلات والخبرة. أحمد المحمدي، موظف حكومي في صنعاء، يروي مأساته: "راتبي بالدولار انخفض إلى الثلث، وكأنني أعيش في بلد مختلف تماماً عن زملائي في الجنوب." هذا التشوه المريع يحول كل عملية شراء إلى حسابات معقدة ومؤلمة.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تعود إلى انقسام المؤسسات الحكومية والنقدية، مما خلق نظامين مصرفيين متوازيين في دولة واحدة. كما حدث في ألمانيا المقسمة خلال الحرب الباردة، تحولت العملة الموحدة إلى رمز صارخ للانقسام السياسي. الصراع على السلطة ولّد صراعاً أشد وحشية على العملة، والنتيجة كانت إفقار مناطق بأكملها مقابل إثراء أخرى. "هذا ليس مجرد تقلب اقتصادي، بل موت بطيء للوحدة الوطنية"، يحذر المحللون الاقتصاديون من تفاقم هذا الشرخ الخطير.
التأثير المدمر يتجاوز الأرقام إلى صميم الحياة اليومية، حيث تشهد البلاد هجرة جماعية للكوادر والخبرات من المناطق ذات العملة الأضعف إلى المناطق الأقوى اقتصادياً. فاطمة الحضرمية، التي تعمل في التجارة، تلاحظ الاستقرار النسبي في منطقتها مقارنة بأقاربها في صنعاء: "نفس السلعة التي أشتريها بسهولة، تكلف أقاربي في الشمال ثلاثة أضعاف راتبهم." بينما يستغل بعض التجار هذه الفروقات لتحقيق أرباح خيالية، يدفع المواطن البسيط ثمناً مضاعفاً لأزمة لم يختر أن يكون جزءاً منها.
السؤال الذي يؤرق كل يمني اليوم: كم من الوقت يمكن لشعب واحد أن يعيش بعملة منقسمة قبل أن ينقسم هو نفسه؟ الحقيقة المرة أن توحيد العملة أصبح ضرورة وجودية قبل أن تضيع الوحدة الوطنية إلى الأبد. على القادة اليمنيين أن يدركوا أن إنقاذ الاقتصاد الموحد أولوية قصوى قبل فوات الأوان.