في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية المدمرة في اليمن، يواجه المواطنون اليوم حقيقة مؤلمة: الدولار الأمريكي الواحد يُباع في عدن بأكثر من 1600 ريال يمني، بينما لا يتجاوز سعره في صنعاء 540 ريالاً فقط - فارق صارخ يزيد عن 1000 ريال للدولار الواحد في نفس البلد! هذا التناقض المجنون يعني أن راتب الموظف في صنعاء يساوي ثلث قوته الشرائية مقارنة بزميله في عدن، في مأساة اقتصادية لم يشهدها العالم منذ عقود.
أرقام اليوم تحكي قصة انقسام اقتصادي مدمر: الريال السعودي في عدن يتراوح بين 425-428 ريالاً يمنياً، بينما لا يتجاوز في صنعاء 140 ريالاً فقط. سالم الصنعاني، صراف منذ عشرين عاماً، يقول بصوت مرتجف: "لم أر في حياتي تذبذباً مجنوناً كهذا... الناس تأتي بحقائب مليئة بالأوراق النقدية ولا تكاد تشتري احتياجاتها الأساسية". المشهد في محلات الصرافة أصبح مؤلماً: طوابير طويلة من المواطنين المحبطين، وأصوات الجدل حول الأسعار تملأ المكان، بينما رائحة الأوراق النقدية المختلطة تحكي قصة عملة تحتضر.
جذور هذه الكارثة تمتد إلى عام 2015، عندما بدأ الصراع السياسي يتحول إلى انقسام اقتصادي خطير. السيطرة على البنك المركزي وطباعة عملات منفصلة خلقت واقعاً يشبه ما حدث في ألمانيا المقسمة بعد الحرب العالمية الثانية - شعب واحد وعملتان مختلفتان. الدكتور محمد الحضرمي، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "هذا الانقسام النقدي يهدد بتقسيم اليمن اقتصادياً للأبد، والمؤشرات تشير إلى تفاقم الوضع في الأشهر المقبلة". تدفق النقد الأجنبي المحدود والسياسات الاقتصادية المتناقضة بين الشمال والجنوب تزيد الطين بلة.
في حياة أحمد المقطري، الموظف الحكومي من تعز، تتجسد مأساة ملايين اليمنيين: "راتبي الشهري لا يكفي حتى لإيجار البيت بعد انهيار الريال... عندما أريد السفر لعدن لزيارة أهلي، أحتاج لتحويل نقودي بخسارة فادحة". على الجانب الآخر، استطاعت فاطمة العدني، التاجرة الذكية، تحويل الأزمة إلى فرصة من خلال التجارة بين المحافظتين، لكنها تؤكد: "هذه ليست تجارة صحية... إنها مضاربة على معاناة الناس". التوقعات تشير إلى مزيد من التدهور والانقسام الدائم ما لم تتدخل القوى الإقليمية والدولية بسرعة.
اليمن اليوم يقف على حافة الهاوية الاقتصادية، حيث تهدد أزمة العملة المزدوجة بتدمير ما تبقى من الوحدة الوطنية. المجتمع الدولي مطالب بالتحرك السريع لإنقاذ شعب بأكمله من الانزلاق نحو مجاعة حقيقية وانقسام دائم. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل سيصمد اليمن أمام هذا التمزق الاقتصادي المدمر، أم أننا نشهد ولادة مؤلمة لدولتين منفصلتين اقتصادياً؟