في تطور صادم يهدد شريان الحياة لملايين اليمنيين، أصدر البنك المركزي في صنعاء قراراً مفاجئاً يمنع قبول أي وثيقة هوية منتهية الصلاحية لتنفيذ المعاملات المالية، مما يعني أن 30 مليون مواطن يمني قد يواجهون عقبات جديدة في الوصول لأموالهم. هذا القرار، الذي بدأ تطبيقه فوراً، يأتي في وقت حرج حيث يعتمد أكثر من 80% من اليمنيين على التحويلات المالية للبقاء على قيد الحياة في ظل حرب مدمرة استمرت أكثر من 8 سنوات.
التعميم الجديد، الصادر عن البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين، حدد بدقة 5 أنواع فقط من الوثائق المقبولة: البطاقة الشخصية برقم وطني، جواز السفر، البطاقة العائلية، بطاقة الضمان الاجتماعي، أو رخصة القيادة - جميعها يجب أن تكون سارية المفعول. أحمد المقطري، عامل بناء يبلغ من العمر 45 عاماً، اكتشف صباح اليوم أن هويته منتهية الصلاحية تمنعه من استقبال التحويلة المرسلة من ابنه المغترب لشراء دواء زوجته المريضة. "شعرت وكأن الأرض تهتز تحت قدمي، كيف سأحصل على المال والمكاتب الحكومية مغلقة نصف الوقت؟" قال أحمد وعيناه تذرفان الدمع.
هذا القرار المفاجئ يأتي في سياق محاولات الحوثيين فرض مزيد من السيطرة على النظام المصرفي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، في ظل انقسام حاد في النظام المالي اليمني بين صنعاء وعدن منذ بداية الصراع عام 2014. الدكتور محمد العمراني، الخبير الاقتصادي، يحذر من أن هذا الإجراء "كمن يضع قفلاً إضافياً على بيت محاصر أصلاً"، مشيراً إلى أن التوقيت سيء للغاية في ظل انهيار قيمة الريال اليمني بأكثر من 50% خلال السنوات الماضية. هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها السلطات قيوداً على النظام المالي، لكنها الأكثر تشدداً حتى الآن.
الآثار الفورية للقرار بدأت تظهر في شوارع صنعاء، حيث تشكلت طوابير طويلة أمام البنوك والمكاتب الحكومية، ووجوه المواطنين تحمل علامات القلق والحيرة. فاطمة الزهراني، موظفة في أحد البنوك، تروي كيف تحول يوم عادي إلى كابوس: "استقبلنا عشرات المواطنين الذين رُفضت معاملاتهم، بعضهم كان يحمل تحويلات لشراء الطعام أو الدواء". التأثير لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمتد لآلاف التجار الصغار والمتاجر العائلية التي تعتمد على التحويلات اليومية لتسيير أعمالها. سالم باحكيم، صرّاف في السوق المحلي، يصف الوضع بأنه "موجة صدمة تضرب اقتصاداً منهاراً أصلاً".
رغم التحديات الهائلة، يرى بعض الخبراء في هذا القرار فرصة لتحسين الأمان المالي ومكافحة عمليات غسيل الأموال، لكن السؤال الحارق يبقى: هل سيؤدي هذا الإجراء لحماية النظام المصرفي أم سيقطع شريان الحياة الأخير عن ملايين الأسر اليمنية التي تصارع من أجل البقاء؟ الساعات القادمة ستكشف حجم التأثير الحقيقي، بينما يسارع المواطنون لتحديث وثائقهم قبل أن تتوقف تحويلاتهم المالية نهائياً.