في تطور اقتصادي صادم، تتساقط 16 ريال من جيبك مع كل دولار واحد تحاول صرفه في اليمن اليوم، حيث سجلت العملة اليمنية انهياراً تاريخياً وصل بقيمة الدولار إلى 1631 ريال - رقم يساوي راتب موظف حكومي كامل قبل عقد واحد فقط. الخبراء يحذرون: كل دقيقة تأخير في اتخاذ قرارات مالية حاسمة قد تكلفك مدخراتك كاملة، بينما تذوب القدرة الشرائية للمواطنين كالثلج تحت شمس الصيف الحارقة.
وسط أصوات الآلات الحاسبة التي تضرب أرقاماً خيالية في محلات الصرافة، تشهد عدن وصنعاء مشاهد مؤلمة من طوابير المواطنين اليائسين الذين يحملون أكياساً ممتلئة بأوراق نقدية مهترئة. أحمد الحميري، الموظف الحكومي البالغ من العمر 45 عاماً، يروي مأساته بصوت مرتجف: "راتبي الشهري الذي كان يشتري 500 دولار قبل الأزمة، لا يكفي الآن لشراء 30 دولاراً فقط". وبينما تتراكم أوراق الريال كأوراق الشجر الذابلة، يواجه التجار صعوبة مضاعفة في تسعير بضائعهم وسط هذه العاصفة النقدية المدمرة.
تكشف خلفية هذه الكارثة الاقتصادية عن 11 عاماً من النزيف المستمر منذ بداية الأزمة في 2014، حيث أدى انقسام السلطة النقدية وتبخر الاحتياطيات النقدية إلى تحويل اليمن إلى مختبر مفتوح لدراسة انهيار العملات. د. فادي النقدي، الخبير الاقتصادي، يحذر بنبرة قاطعة: "نحن أمام سيناريو مشابه لانهيار عملة فايمار في ألمانيا أو الأزمة الفنزويلية، والوقت ينفد بسرعة قبل الانهيار الكامل". هذه الأزمة التي تشبه تسونامي اقتصادي تضع اليمن في مرتبة الدول الأكثر تضرراً نقدياً في العالم الحديث.
في كل بيت يمني، تتكرر قصة فاطمة التاجرة، ربة المنزل التي تشاهد يومياً تبخر قدرتها على إطعام أسرتها بنفس الكمية من الطعام. المواطنون يعيشون كابوساً يومياً حيث تصبح حفنة من الخضار بثمن وجبة كاملة، والدواء الذي كان يكلف 100 ريال أصبح يتطلب 1600 ريال. سالم المضارب، التاجر الذكي الذي نجا من الكارثة، ينصح بحزم: "من لا يحول مدخراته للدولار أو الذهب فوراً، سيشهد اختفاءها كأنها لم تكن". ردود الأفعال تتراوح بين اليأس المطلق من جهة، وسباق محموم لحماية ما تبقى من الثروات من جهة أخرى.
مع استمرار هذا الإعصار النقدي الذي يدمر أحلام وطموحات ملايين اليمنيين، يصبح التحرك السريع ضرورة حياة وليس مجرد خيار استثماري. نوع أصولك المالية الآن، وابحث عن ملاذات آمنة خارج الريال المنهار، فالمستقبل القريب ينذر بمزيد من التدهور ما لم تحدث معجزة اقتصادية أو تدخل دولي عاجل. السؤال الذي يؤرق الجميع يبقى بلا إجابة واضحة: هل سيشهد اليمنيون نهاية هذا الكابوس الاقتصادي، أم أن الأسوأ لم يأت بعد؟