في تطور صادم يُعيد تعريف مفهوم الوحدة الاقتصادية، تشهد اليمن فجوة سعرية مذهلة في أسعار الذهب تصل إلى 211% بين عدن وصنعاء، حيث يُباع جرام الذهب عيار 21 بـ 191.300 ريال في عدن مقابل 61.500 ريال فقط في صنعاء - فارق يعادل ثلاثة أضعاف القيمة! هذا الانقسام الاقتصادي الخطير يضع المواطنين أمام معضلة حقيقية: كيف يمكن تقييم مدخراتهم عندما تختلف قيمة المعدن الواحد بهذا الشكل الجنوني؟
أحمد المحمدي، موظف حكومي من صنعاء، يروي صدمته: "اكتشفت أن خاتم زوجته الذهبي الذي اشتريناه بـ 400 ألف ريال، لو كان في عدن لبيعناه بأكثر من مليون ريال!" هذه المأساة تتكرر يومياً مع آلاف اليمنيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين في متاهة اقتصادية معقدة. الأرقام تحكي قصة أعمق من مجرد تقلبات أسعار - فجنيه الذهب في عدن يُباع بـ 1.455.000 ريال مقابل 473.000 ريال في صنعاء، مما يعني أن نفس القطعة الذهبية تساوي قيمة سيارة مستعملة في مدينة وثمن دراجة نارية في الأخرى!
خلف هذا الانقسام السعري المرعب تكمن حقيقة مُرة: عقد كامل من الصراع حوّل اليمن إلى دولتين اقتصاديتين منفصلتين تماماً. انهيار الريال اليمني، انقسام البنوك المركزية، وصعوبات سلاسل التوريد خلقت واقعاً يشبه انقسام ألمانيا الشرقية والغربية اقتصادياً. الخبراء يحذرون من أن هذا الوضع الاستثنائي قد يكون الأول من نوعه في التاريخ الحديث - دولة واحدة بنظامين اقتصاديين منفصلين كلياً، حيث يصل السعر العالمي للذهب إلى 4001 دولار للأوقية بينما تعيش المدن اليمنية في أكوان اقتصادية مختلفة.
فاطمة أحمد، ربة منزل من عدن، تصف معاناتها اليومية: "كنت أدخر في الذهب لأطفالي، الآن لا أعرف القيمة الحقيقية لما أملك." هذا الارتباك ليس مجرد قلق شخصي، بل يعكس أزمة ثقة عميقة تهدد أسس النظام الاقتصادي. كل يوم تأخير في اتخاذ قرار مالي قد يكلف العائلة اليمنية آلاف الريالات، بينما يستغل التجار المحترفون هذه الفجوة لتحقيق أرباح خيالية من التجارة بين المناطق - لو توفرت لهم إمكانية النقل الآمن.
مع استمرار الأزمة السياسية واتساع الهوة الاقتصادية، يبقى السؤال الأهم: هل ستصبح اليمن أول دولة في التاريخ بنظامين اقتصاديين منفصلين تماماً؟ المواطنون مطالبون بمتابعة الأسعار لحظة بلحظة واتخاذ قرارات حذرة لحماية مدخراتهم في ظل هذا الواقع المؤلم الذي يعكس عمق المأساة اليمنية وتعقيداتها الاقتصادية غير المسبوقة.