يواجه المواطنون اليمنيون واقعاً اقتصادياً مؤلماً، حيث تختلف قيمة الريال السعودي بنسبة تصل إلى 200% بين مدينتي عدن وصنعاء، مما يعمق من معاناتهم اليومية ويجعل اليمن البلد الوحيد في العالم الذي يضم عملتين مختلفتين بنفس الاسم.
وفقاً لآخر تحديثات أسعار الصرف، يبلغ سعر الريال السعودي في عدن حوالي 428 ريال يمني للبيع، بينما لا يتجاوز 140 ريال يمني في صنعاء، مما يخلق فجوة هائلة تقدر بأكثر من 200% بين المنطقتين. هذا الفارق الصادم يعني أن نفس المبلغ من الريالات السعودية يحصل على قوة شرائية مختلفة تماماً حسب المنطقة الجغرافية.
أحمد المقطري، موظف من صنعاء، يصف معاناته قائلاً إنه يحتاج دولارات لعلاج ابنته في الخارج، لكن راتبه الشهري لا يكفي حتى لشراء 100 دولار بأسعار عدن. هذه المأساة تتكرر يومياً مع آلاف المواطنين الذين يجدون أنفسهم أسرى لجغرافيا العملة، حيث يؤثر مكان إقامتهم على قدرتهم الشرائية بشكل جذري.
عبدالله العدني، الذي يعمل صرافاً في عدن، يشهد يومياً على حجم الصدمة التي يواجهها العملاء القادمون من صنعاء عندما يرون الفرق المرعب في الأسعار. ووسط أكوام من الأوراق النقدية المتهالكة وأصوات آلات عد النقود، تتجلى مأساة اقتصادية حقيقية تضع المواطنين في مواجهة مباشرة مع تداعيات الانقسام السياسي.
جذور هذا الانقسام الاقتصادي المدمر تعود إلى عام 2016 حين انقسم البنك المركزي اليمني، مما أدى لطباعة عملات مختلفة وتطبيق سياسات نقدية متناقضة. د. محمد الصبري، الخبير الاقتصادي، يشبه الوضع بشخص يملك مفتاحين مختلفين لنفس البيت، أحدهما يفتح والآخر لا يعمل. الحرب الأهلية والحصار الاقتصادي وانقطاع عائدات النفط، كلها عوامل حولت الريال اليمني في صنعاء إلى ريشة في مهب الريح، بينما نظيره في عدن كالحجر يقاوم العاصفة.
في الأسواق الشعبية، تتجلى المعاناة اليومية بشكل أكثر وضوحاً. عائلات منقسمة جغرافياً لا تستطيع إرسال المال لبعضها، مرضى يعجزون عن شراء الأدوية، طلاب تتعطل دراستهم في الخارج. فاطمة الحضرمية، تاجرة من عدن، تمكنت من توسيع تجارتها بالاستفادة من استقرار العملة، لكنها تشعر بالذنب لأن أرباحها تأتي من معاناة إخوتها في الشمال.
رغم الجهود التي يبذلها البنك المركزي في عدن للحفاظ على استقرار الريال اليمني من خلال ضبط المضاربات والحد من تقلبات السوق، إلا أن الفجوة تستمر في الاتساع. هذا الانقسام النقدي يهدد بتقسيم اليمن اقتصادياً قبل سياسياً، مع توقعات بهجرة المزيد من الشباب وانهيار الطبقة المتوسطة.
الخبراء يحذرون من سيناريو أسوأ قد يشهد انهياراً كاملاً لإحدى العملتين، مما سيزيد من تعقيد الوضع الإنساني المتدهور أصلاً. بين رائحة الورق النقدي القديم وهمسات المضاربين، تنمو فجوة أعمق تعكس انقساماً سياسياً أعمق، والمعاناة الشعبية تتصاعد مع كل يوم يمر دون حل جذري.