في تطور خطير للأزمة المالية اليمنية، فقد البنك المركزي اليمني السيطرة على انهيار الريال اليمني الذي تراجع بنسبة تجاوزت 300% خلال الأعوام الماضية، وسط اتهامات مدوية من جمعية الصرافين الجنوبيين لقيادات البنك بارتكاب تجاوزات خطيرة، في الوقت الذي فشلت فيه مزادات البنك المركزي في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
وكشفت الأزمة عن عمق الخلل في السياسة النقدية اليمنية، حيث أعلن البنك المركزي عن فشل مزاداته في بيع أكثر من 30% من العملات الأجنبية المعروضة، رغم طرحها بأسعار أقل من أسعار السوق. وقد وصل سعر صرف الريال اليمني إلى مستويات قياسية، حيث بلغ في آخر المزادات 2522 ريالاً للدولار الواحد، مقترباً من حاجز 2600 ريال، في مؤشر خطير على التدهور الحاد للعملة المحلية.

وفي بيان شديد اللهجة، اتهمت نقابة الصرافين الجنوبيين إدارة البنك المركزي اليمني، ممثلة بمحافظ البنك أحمد المعبقي ووكيل قطاع الرقابة منصور راجح، بممارسة سياسات نقدية غير شفافة أدت إلى انهيار قيمة الريال اليمني أمام الريال السعودي من 200 إلى 770 ريالاً. وأشارت النقابة إلى قيام إدارة البنك ببيع 100 مليون ريال سعودي بسعر 765 ريالاً في نهاية شهر مايو 2025، مما أدى إلى تقلبات حادة وهبوط مفاجئ إلى 425 ريالاً، وجني أرباح تقدر بـ40 مليار ريال يمني دون أي توضيح حول مصير هذه الفروقات المالية.
وتطرق البيان إلى ما وصفته النقابة بـ"المضاربة الكارثية" في سوق العملة خلال شهري مايو وأغسطس، خاصة يومي 30 و31 أغسطس 2025، والتي شهدت عملية منظمة لسحب مدخرات المواطنين من السوق عبر تدخلات لصالح "كاك بنك" بالتنسيق مع قيادات البنك المركزي. كما اتهمت النقابة إدارة البنك بمخالفة قانون تنظيم أعمال الصرافة عبر فرض ضمانات ورؤوس أموال "غير قانونية" على الصرافين، تم جمعها دون مرجعية تشريعية ووصلت إلى أكثر من 120 مليار ريال يمني.
في محاولة يائسة لاستعادة السيطرة، لجأ البنك المركزي إلى إجراءات استثنائية بالتنسيق مع جمعية الصرافين في عدن، حيث أصدرت الأخيرة تعميماً هاماً يهدف إلى تنظيم التعاملات مع تجار المشتقات النفطية. ويشير التعميم إلى منع جميع شركات ومنشآت الصرافة من التعامل بالعملات الأجنبية أو إجراء أي تحويلات خارجية مرتبطة بتجارة المشتقات النفطية، مع توجيه إدارة المعاملات المالية عبر البنوك المحددة من قبل البنك المركزي.

غير أن الخبراء الاقتصاديين حذروا من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وتوقع الباحث الاقتصادي اليمني يوسف شمسان أن يؤدي قرار البنك المركزي إلى المزيد من انهيار العملة المحلية ونشوء سوق سوداء جديدة، مع ارتفاع الفارق بين أسعار شراء وبيع العملات الأجنبية. وأرجع السبب في تدهور العملة المحلية إلى تحول العملات الأجنبية لسلعة قائمة بذاتها في عمليات مضاربة، مما تسبب في ارتفاع الطلب عليها وفشل الرقابة الرسمية في ضبط المتلاعبين.
من جانبه، أكد الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي أن قرار البنك المركزي يُعد مؤشراً إلى غياب الحلول بعد فشل كافة السياسات النقدية. وأوضح أن عدم نجاح البنك في بيع أكثر من 30% مما عرضه من عملات أجنبية للبيع رغم أن أسعارها كانت أقل من سعر السوق، يوحي بوجود طلب محدود عليها، مما يشير إلى أن الطلب على العملات الأجنبية لا يُستخدم في عمليات الاستيراد الحقيقية.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن البنك المركزي يواجه أزمة ثقة حقيقية مع القطاع المصرفي الخاص، حيث وصفت نقابة محلية للصرافين في عدن التعميم الأخير بالخطوة الكارثية، محذرة من تداعياته التي تُعمق من حدة الأزمة النقدية وتُضعف الثقة بين المؤسسات النقدية والمجتمع. كما حذرت النقابة من حدوث فراغ رقابي يُفسح المجال أمام زيادة نشاط السوق السوداء، مع غياب الرقابة الفعالة مما يُفاقم من حدة المضاربة غير المشروعة.

وفي محاولة لإظهار بعض السيطرة على الوضع، أعلن البنك المركزي اليمني عن فتح مزاد لبيع مبلغ 30 مليون دولار، بعدما أعلن سابقاً عن بيع أكثر من 8 ملايين دولار بسعر صرف 2484 ريالاً لكل دولار. لكن هذه المزادات فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، حيث لم تستطع جذب الاهتمام الكافي من المتعاملين، مما يشير إلى فقدان الثقة في قدرة البنك على إدارة السياسة النقدية بفعالية.
وأشار مصدر مسؤول في البنك المركزي، اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أن منع تداول العملات الأجنبية هو الإجراء الوحيد المتاح حالياً في ظل عجز البنك عن سد العجز الحاصل في العملات الأجنبية، مرجعاً السبب إلى توقف تصدير النفط والغاز، واختلال العملية التجارية اليمنية التي تعتمد على الاستيراد مقابل تصدير محدود، وتراجع المساعدات الخارجية.

وقد تسبب التعميم في ردود فعل متباينة من السوق، حيث ذكرت مصادر محلية في عدن أن عدداً من تجار الجملة اشترطوا خلال الأيام التالية لصدور التعميم سداد الديون المستحقة لهم بالعملات الأجنبية بدلاً من العملة المحلية، وهو ما يُعد تحدياً مباشراً لقرار البنك المركزي وانعكاساً لعدم الثقة في أي إجراءات للحد من التدهور.
وتأتي هذه التطورات في سياق أوسع من التحديات الاقتصادية التي تواجه اليمن، حيث تشهد مختلف القطاعات ضغوطاً متزايدة نتيجة الأزمة المالية. وتعكس الاتهامات الموجهة لقيادات البنك المركزي حجم الإحباط والغضب في أوساط القطاع المصرفي الخاص، الذي يرى نفسه ضحية لسياسات نقدية خاطئة وغير مدروسة.

وتؤكد الأزمة الحالية على ضرورة إعادة النظر الجذرية في السياسة النقدية اليمنية، وإيجاد حلول مستدامة للتعامل مع انهيار العملة المحلية. فبينما يحاول البنك المركزي السيطرة على الوضع من خلال إجراءات قد تبدو حاسمة ظاهرياً، تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حلها، خاصة في ظل غياب استراتيجية شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة الاقتصادية في البلاد.