تمكن الذهب من الحفاظ على استقراره عند مستويات استثنائية تبلغ 3586 دولاراً للأونصة، محتفظاً بموقعه تحت المستوى القياسي التاريخي مباشرة، وسط ترقب متزايد لقرار خفض الفائدة الأمريكية غير المسبوق الذي قد يعيد تشكيل خريطة الاستثمار العالمية.
استقرت أسعار الذهب في المعاملات الفورية عند 3586.81 دولار للأونصة، بعدما سجلت يوم الجمعة الماضي مستوى تاريخياً بلغ 3599.89 دولار، مما يضع المعدن النفيس على بُعد خطوات قليلة من كسر حاجز 3600 دولار النفسي. وفي المقابل، تراجعت العقود الآجلة الأمريكية تسليم ديسمبر بنسبة 0.7% لتستقر عند 3626.10 دولار للأونصة.
يأتي هذا التماسك في ظل تزايد الرهانات على قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب منتصف سبتمبر، خاصة بعد صدور بيانات سوق العمل المخيبة للآمال في أغسطس والتي أظهرت تباطؤاً حاداً في نمو الوظائف وارتفاع معدل البطالة إلى 4.3%، وهو أعلى مستوى مسجل منذ أربع سنوات تقريباً.
وفقاً لأداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة "سي إم إي"، تشير التوقعات الحالية إلى احتمالية مؤكدة لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، مع وجود فرصة بنسبة 8% لخفض استثنائي يصل إلى 50 نقطة أساس، وهو ما يمثل تحولاً جذرياً في توجهات السياسة النقدية الأمريكية.
يؤكد كايل رودا، محلل الأسواق المالية في شركة "كابيتال دوت كوم"، أن "المحرك الأساسي وراء هذا الصعود هو بيانات الوظائف الأمريكية والتوقعات المتزايدة بشأن إمكانية قيام الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس". ويضيف رودا أن "جميع الرياح تهب في صالح المعدن الأصفر حالياً، وما لم نشهد مفاجأة في بيانات التضخم هذا الأسبوع، فإن اختبار مستوى 3600 دولار يبدو وشيكاً".
يستفيد الذهب بشكل مباشر من انخفاض أسعار الفائدة نظراً لأن هذا الانخفاض يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن النفيس غير المدر للعائد، كما يضعف الدولار الأمريكي، مما يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى. هذه الديناميكية تفسر السبب وراء الإقبال المتزايد على الذهب كملاذ آمن في ظل التقلبات الاقتصادية الراهنة.
على صعيد الأداء السنوي، حقق الذهب مكاسب مذهلة بنسبة 37% منذ بداية عام 2025، بعد أن كان قد أنهى عام 2024 على ارتفاع بنسبة 27%، مدفوعاً بمجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية المواتية.
يواصل البنك المركزي الصيني دعم هذا الاتجاه الصعودي من خلال زيادة احتياطياته من الذهب للشهر العاشر على التوالي في أغسطس، في إطار استراتيجية تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأمريكي. كما أظهرت بيانات لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية أن المضاربين رفعوا صافي مراكزهم الطويلة في الذهب بمقدار 20,740 عقداً، ليصل الإجمالي إلى 168,862 عقداً، مما يعكس الثقة المتنامية في استمرار المسار الصعودي للمعدن.
تتجه الأنظار الآن إلى تقرير التضخم الأمريكي المنتظر صدوره يوم الخميس، والذي سيلعب دوراً محورياً في تحديد حجم خفض الفائدة المرتقب وبالتالي اتجاه أسعار الذهب في المرحلة المقبلة. المحللون يتوقعون أن يستمر الذهب في مساره الصعودي إذا جاءت بيانات التضخم متماشية مع توقعات تخفيف السياسة النقدية.
بالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، شهدت تحركات متباينة، حيث تراجعت الفضة الفورية بنسبة 0.5% إلى 40.75 دولار للأونصة، بينما ارتفع البلاتين بنسبة 0.1% إلى 1374.35 دولاراً، واستقر البلاديوم عند 1109.71 دولاراً للأونصة، مما يظهر أن التفاؤل بشأن خفض الفائدة يركز بشكل أساسي على الذهب كملاذ آمن مفضل.