في ظل التغيرات الاقتصادية السريعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يبرز القطاع العقاري كمحور رئيسي يعكس تأثير هذه التغيرات على مختلف المناطق.
في الربع الأول من عام 2025، تجلت الفروق الإقليمية الواضحة بين الشمال والجنوب في أسعار وعمليات العقارات. فالمنطقة الشمالية شهدت انتعاشًا قويًا سواء من حيث الصفقات أو الأسعار، مما جعل الرياض والحدود الشمالية والجوف من بين أبرز الرابحين في هذا التحول. إذ أسهمت هذه المناطق في ارتفاع عدد الصفقات العقارية إلى 65.7 ألف صفقة بزيادة واضحة مقارنة بالعام السابق، بحسب تقرير وطني موثوق. بالإضافة إلى ذلك، استفادت هذه المناطق من السياسات الحكومية الداعمة للتمويل السكني الجديد، حيث بلغ التمويل السكني زيادة ملحوظة وصلت إلى 28.3 مليار ريال.
في الوقت نفسه، تعكس المناطق الجنوبية تفاوتًا ملحوظًا في الأداء. فقد أظهرت المناطق مثل عسير وجازان انخفاضًا في عدد الصفقات العقارية. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الأراضي والوحدات السكنية في الشمال بنسب كبيرة، شهدت المناطق الجنوبية تراجعات طفيفة. كانت الأراضي السكنية هي الأبرز طلبًا في الشمال، في حين ظل النمو في الجنوب محدودًا، وفقًا للمصادر المحلية. هذه الفروق تشير إلى تأثير متباين للسياسات الاقتصادية المحلية وتبرز الحاجة إلى تبني استراتيجيات مختلفة لدعم النمو في المناطق الجنوبية.
على الرغم من الموجة التضخمية التي أثرت نسبيًا على السوق، إلا أن المناطق الشمالية استطاعت الحفاظ على جاذبيتها بسبب المشاريع التنموية المستمرة. ارتفع مؤشر أسعار المستهلك العام بشكل ملحوظ وساهم في دفع الأسعار، إلا أن المشاريع الكبيرة في الشمال ساعدت في استقطاب الطلب وجعلت من السوق وجهة مفضلة للمستثمرين. مع ذلك، يبقى الجنوب يواجه تحديات ناتجة عن ارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار وعدم الاستفادة الكاملة من الطفرة الاستثمارية العقارية، كما أظهرت البيانات الإحصائية.
وفي ضوء هذه التطورات، فإن أوجه التباين الإقليمي في السوق العقاري بالمملكة يطرح العديد من التساؤلات والتحديات. التوسع المتزايد في التمويل والسياسات الحكومية قد يسهم في تحسين ظروف السوق في الجنوب إذا ما تم توجيهه بشكل مدروس ليدعم البنية التحتية والتنمية الاقتصادية. يبقى الأمر متروكًا للمستقبل ليكشف لنا كيف سيتأثر القطاع العقاري بهذه الفروق الإقليمية وكيف يمكن للحكومة أن تخفف من هذه الفجوة لتعزيز النمو المتوازن في كل أرجاء المملكة. إن فهم هذه الديناميكيات بوضوح سيسهم في اتخاذ قرارات استثمارية ذكية ومدروسة ضمن هذا القطاع الحيوي.