الرئيسية / تقارير وحوارات / 8 خطوات حتمية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة
8 خطوات حتمية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة

8 خطوات حتمية للدبلوماسية الأميركية في المنطقة

30 أكتوبر 2012 08:52 مساء (يمن برس)
يكاد يكون من المستحيل أن لا يغتنم الجمهوريون كل فرصة متاحة للهجوم على إدارة أوباما في سنة انتخابية. وجانب من هذا الهجوم كان في إطار الجهود المبذولة لإحراج الرئيس الأميركي باراك أوباما، من خلال تحويل مقتل السفير الأميركي كريس ستيفنز، إلى لعبة مسابقة «التربص بالآخر»، حيث جرى إلقاء اللوم على أوباما بشكل ما، بناء على قرارات أمنية ذات طابع محلي في معظمها، وعلى «فشل في الاستخبارات».
 
ولقد تخبطت الإدارة الأميركية بدورها، حين دخلت في حالة من الإنكار المرتبك، مركزة على تسلسل غامض للأحداث التي أودت بحياة السفير ستيفنز.
 
أسباب الفشل الاستخباري
 
يبدو أن الجمهوريين «يحققون فوزاً» بالمعنى السياسي للكلمة، ويعزى هذا الأمر، في جانب كبير منه، إلى وجود قلة من الأميركيين في المراكز البحثية ووسائل الإعلام على معرفة بأن مجمل المعلومات الاستخبارية والأمنية التي تلي حالات وفاة تكشف عملياً عن المشكلات نفسها في مثل هذه الأحداث.
 
وما إن ينتهي الحدث وتتجلى الأنماط المختلفة، حتى نجد على الدوام مؤشرات تحذير كان يمكن الالتفات إليها بالرجوع إلى الوراء.
 
وإذا تجاهل المرء هذا الكم الهائل من «الضوضاء» من تضارب المؤشرات الأخرى، وأعاد النظر إلى الأمر في شكل إدراك متأخر للحدث بالكامل، فإن كل الأحداث التي جرت تشكل دوماً فشلاً «استخباراتياً».
 
بالإضافة إلى ذلك، هناك على الدوام ضباط أمن اختصاصيون يطــــالبون بمزيد من الدعم والتغطـــية في أي منطقة من المناطق توجد بها مخاطر. ولا يوجد أبداً استتباب كاف للأمن، حتى في أفضل أوقات التمويل المالي.
 
واليوم لا يعد أفضل الأوقات على هذا الصعيد. فقد خضع كل جانب تقريباً من الدبلوماسية الأميركية لتخفيض في الميزانية في الوقت الذي يشهد العالم العربي انتفاضات كما يشهد العالم أزمة اقتصادية دولية.
 
وتشير مقالة نشرت حديثاً لدانا ميلبانك في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إلى أن مجلس النواب الأميركي نفسه الذي يهيمن عليه الجمهوريون وينتقد الأحداث في ليبيا، قام بخفض نفقات عمليات وزارة الخارجية بمقدار 300 مليون دولار في عام 2009، حاجباً الأموال عن نحو 30 من المناصب الأمنية الإضافية التي اعترضت طريقه.
 
وقام أيضاً بخفض التمويل للأمن بمقدار 128 مليون دولار، خلال السنة المالية 2011، و331 مليون دولار عن السنة المالية 2012، على الرغم من إعادة مجلس الشيوخ مبلغ 88 مليون دولار.
 
وفي إطار اقتراح واحد على الأقل لعضو الكونغرس «ريان» يتعلق بتعديل الميزانية، فإنه سيجري تخفيض التمويل لوزارة الخارجية بنسبة 20 % إضافية في عام 2014، ما يعني خفضاً إضافياً قدره 400 مليون دولار في المجال الأمني.
 
وليس هدف ذلك الإشادة بإدارة أوباما للجهود المحدودة للغاية في التصدي لهذه التخفيضات، والتي تقل بصورة أكبر عند التعبير عن حاجتها إلى التمويل لتعزيز جهود «دبلوماسية التنقل عبر البلاد» في الدول المتأزمة لإنهاء صراعاتها وتعزيز مقدراتها.
 
وبالتأكيد، فيما تعيش كثرة من الدول حالة من التأزم، بينما تواجه أميركا تحديات متزايدة لأهدافها الإقليمية. هناك حاجة لمزيد من الأموال لتعزيز الفرق الأميركية العاملة في السفارات من الوكالات المختلفة، وللمساعدات الإنسانية والعسكرية، وللدبلوماسية في ساحة الحدث، في سبيل دعم المصالح الأميركية.
 
ولإنصاف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وعدد كبير من ممتهني الدبلوماسية، فقد حاولت وزارة الخارجية التعامل مع هذه التحديات، من خلال إعادة تركيز مواردها المتناقصة وتقوية قدراتها لتأمين المساعدات في مسرح الأحداث، وإيجاد جهود مدنية بإمكانها التعامل مع الأزمات، كالأزمة السورية، والحاجة إلى تأمين مساعدات أميركية وفرق استشارية أكثر قوة وفاعلية في حال سقوط ديكتاتور مثل الرئيس السوري بشار الأسد.
 
خطوات على الأرض
 
باختصار، لا نحتاج إلى لعبة «التربص بالخصم» التي تلي الوفاة، أو لدفاعات شبه مبنية على أسس مقنعة. والتكريم الذي ندين به للسفير ستيفنز يتمثل في اتخاذ الخطوات الثماني التالية:
 
-إدراك أن الدبلوماسية سوف تكون في الغالب شكلاً من أشكال الحرب غير المتناظرة في دول الأزمات، لاسيما تلك الدول التي تبدو أنظمتها منهارة أو حكوماتها المشكلة حديثاً غير مستقرة. والقبول بحقيقة أنه لن يكون هناك نجاح من دون مخاطر متزايدة وتكبد للخسائر.
 
- وضع أهداف واقعية يمكن تحقيقيها على أساس كل بلد على حدة، وإعطاء السفير الأميركي وفرق العمل في السفارات تحت قيادته أكبر قدر ممكن من التكتم.
 
وعدم وضع أهداف مستحيلة لجهة تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون والاستقرار بشكل فوري. وكذلك قبول الحاجة إلى عمل متجدد تطويري «والقيام بذلك حسب طريقة تلك البلدان». وعدم محاولة فرض مقاس واحد بوصفه المناسب لكل الحلول الأيديولوجية أو الجهود التي تبذلها واشنطن.
 
- وقف التركيز على التخفيضات الضيقة في الميزانيات، وتفحص التكاليف والمنافع من جهود فرق العمل في السفارات في ظل تمويل جيد وفعال.
 
فإذا تمكنت الدبلوماسية الممولة بشكل مناسب وجهود فرق العمل في السفارات من كسب الدعم لأميركا في بلد واحد يمر بأزمة على مدى العقد المقبل، أو جرى تفادي تدخل عسكري واحد، فإن هذه الدبلوماسية وهذه الجهود سيحققان مكاسب تتجاوز ما يترتب عليهما من كلفة في إطار الميزانية الأميركية، وسيكون الجهد الإجمالي أكثر قيمة في ما يخص المكاسب (والإيرادات الضريبية) في مجالي التجارة والاستثمار الأميركيين.
 
- إعادة النظر في كيفية إيجاد كل العناصر الخاصة بجهود «دبلوماسية التنقل عبر البلاد»، بما في ذلك وجود فرق عمل قوية في السفارات من مختلف الوكالات الأميركية تحت إمرة السفير، والقدرة على زيادة عديد هذه الفرق بشكل فوري في البلدان التي تمر بأزمات، إلى جانب مجموعة كاملة من الأدوات التي يحتاج السفراء إلى أن تكون في متناولهم. وهذا يشمل طواقم مناسبة لتمويل العمليات والأمن، وأموال مساعدات مرنة يمكن تطبيقها على وجه السرعة للتعامل مع الاحتياجات والظروف المتغيرة.
 
- جهاز أمني ممول بالكامل، مع إيجاد أفضل السبل لتغيير الإجراءات القائمة على التنقل والانتقال إلى المناطق شديدة الخطورة. وإعادة تمركز الاستخبارات للمساعدة في تخفيض المخاطر وإعادة هيكلة جهود الحماية لتأمين أجهزة أمنية وطنية أجنبية مدربة بشكل خاص ومجهزة أميركياً.
 
ووقف التلاعبات السياسية المتعلقة بإلقاء اللوم على القضايا الأمنية التي تلي حصول حالات وفاة بشكل لا معنى له، والتركيز على المستقبل.
 
- مكافأة وتشجيع عملية اتخاذ المخاطر الضرورية. وتوضيح أن هذا الأمر يعد جزءاً حيوياً في إطار مسار النجاح المهني، وأنه سيلقى الدعم الكامل من قبل وزارة الخارجية والوكالات الأخرى التي تنشر طواقم عمل أميركية، وإعادة توجيه الجهود الأمنية المبذولة في البلاد لتوفير الحماية بأفضل السبل الممكنة، بدلاً من إيجاد قواعد تجعل العمل الفعال مستحيلاً، أو تدفع الدبلوماسيين والاستشاريين لانتهاك تلك القواعد من دون حماية.
 
وكل من يعمل مع الدبلوماسيين الأميركيين وعمال المساعدات وفرق الاستشارات العسكرية في الخارج يعلم أن لدينا كوادر قوية مستعدة ومجهزة لتحمل تلك المخاطر. والتحدي يكمن في تأمين الدعم لهم في البلاد بشكل مناسب ومكافأتهم على خدمتهم.
 
- مراجعة التغطية التأمينية والمنافع والمعاشات لمن يتحمل المخاطر. وعدم الحفاظ على الوضع الحالي في أفغانستان وسابقاً في العراق، حيث المتعهدون الأمنيون يحصلون على زيادات هائلة في الأجور، فيما يتناقص الأجر القتالي للدبلوماسيين وعمال المساعدات، ويتعين تحقيق المساواة الكاملة في الأجر القتالي، والحماية لهم ولعائلاتهم إذا ما تعرضوا للقتل أو أصيبوا بإعاقة. علاوة على ضمان رعاية صحية دائمة مناسبة للإصابات الدائمة.
 
التعامل بواقعية
 
وأخيراً وليس آخــراً، معرفة ما إذا كانت هناك وسيلة ما يمكن مـــن خلالها للكونغرس الأميركي التعامل مــع هذه القضايا بواقعية وبطريقة تركز فعلاً على مصالح أميركا الوطنية حتى في أوقات نوبات الالتهام الشرسة والوضيعة لكل من الحزبين.
 
وهذه الجهود لا تحتاج فقط للتمويل الكامل لهم من الإدارة المقبلة إلى جانب الدعم في أوقات تتسم بضغوط متزايدة على الميزانية، وإنما أيضاً تحتاج أيضاً إلى دعم الحزبين في كل من مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين.
 
ستكون هناك حاجة لمراجعة خارجية، في سبيل إجراء متطلبات تبليغ جديدة ومن أجل عقد جلسات الاستماع. لكن أعضاء الكونغرس يحتاجون إلى التطلع إلى الأمام. وجهود أميركا يجب أن تخدم المصالح الوطنية للبلاد بدلاً من المنافع الشخصية أو الحزبية، ومواجهة الصعوبات والتعقيدات وانتهاز الفرص الملائمة للتعامل مع الجهود المبذولة في كل بلد على حدة، والتركيز على الطرق العملية للتعامل مع المستقبل بدلاً من تشريح الماضي.
 
التنقل الميداني وتحمل المخاطرة
 
فشلت كل جهود «لعبة التربص بالآخر»، التي اعتمدها الجمهوريون في مواجهة الإدارة الأميركية في خدمة المصالح الأميركية الوطنية، وفشل عجز الإدارة الأميركية في تقديم الأسباب الموجبة لوجود «دبلوماسية التنقل في الميدان» للدول المتأزمة بالكامل في تحقيق هذا الأمر، وكانت هذه الجهود التي بذلها الحزبان الأميركيان بمثابة أسوأ نصب ممكن لتخليد ذكرى السفير الأميركي الذي قتل في ليبيا كريس ستينفنز، وهو الذي كان يعلم أن نجاح أميركا يتطلب أخذ المخاطرة وممارسة العمل ميدانياً.
 
وإذا كانت هناك دروس فعلية يمكن تعلمها من ليبيا، أو أفغانستان وباكستان والعراق واليمن والصومال وكينيا وتنزانيا ولبنان ودول أخرى، ضمن لائحة مطولة من الحالات، حيث لقي دبلوماسيون أميركيون وفرق استشارية وأمنية حتفهم في سبيل خدمة بلادهم، فذلك الشكل من أشكال الإسقاط للقوة الذكية على الأرض، والذي جرى بالتنقل الميداني وتحمل المخاطرة والمؤدي لا محالة إلى تكبد خسائر في الأرواح.
 
قد يكون بعض هؤلاء من السفراء، وآخرون من طواقم فرق المساعدات أو خبراء في الدبلوماسية الشعبية، وآخرون من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو من القوات العسكرية من الجنسين. وكل من هؤلاء يشكل مأساة في حد ذاته، لكن لا يمكننا أن ندع الاقتصادات الفاسدة أو المتطرفين والتهديدات الإرهابية تهزم هذه الجهود.
 
استراتيجي بارز
 
يشغل أنتوني كوردسمان كرسي «أليه إيه. بيرك للدراسات الاستراتيجية» في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، ويعمل محللاً لشؤون الأمن القومي الأميركي لصراعات مهمة. وهو أستاذ مساعد سابق في دراسات الأمن القومي في جامعة جورج تاون.
 
خلال عمله في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، عين مديراً لمشروع «تحليل شبكة الخليج» و«دراسات الخليج في مرحلة التحول»، وكان الباحث الرئيسي في مشروع الدفاع الوطني. وعمل مساعداً للشؤون القومية للسيناتور جون ماكين، عضو لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، ومديراً للتقييم الاستخباري في مكتب وزير الدفاع، وكمساعد مدني لنائب وزير الدفاع. وخدم في مواقع حكومية أخرى في وزارة الخارجية.
 
له دراسات حول السياسة الأمنية والطاقة والشرق الأوسط. وألف أكثر من 20 كتاباً منها: «حرب العراق»، «المملكة العربية السعودية تدخل القرن ال21»، «دروس أفغانستان»
 
"البيان" الاماراتية
شارك الخبر