الرئيسية / تقارير وحوارات / إعادة تعريف تنظيم القاعدة
إعادة تعريف تنظيم القاعدة

إعادة تعريف تنظيم القاعدة

23 أكتوبر 2012 08:35 مساء (يمن برس)
ظلت محاولات إدارة أوباما لمواجهة تهديدات القاعدة والحركات الجهادية الأخرى موضوعا مستمرا في السباق الرئاسي الأمريكي. و توالت الخطب السياسية من كلا الجانبين، حيث يزعم المسئولون الحكوميون أن القاعدة قد تمت إعاقتها إلى حد كبير.على حين يدعي بعض المنتقدين للإدارة أن التنظيم قد أصبح أقوى من ذي قبل. وكما هو الحال في معظم الخطابات السياسية، فإن كلا الادعائين يحمل في طياته شيئا من الحقيقة، بيد أن الحقيقة تعتمد بشكل كبير على كيفية تعريفنا للقاعدة وللتنظيمات الجهادية. وللأسف فإن السياسيين ووسائل الإعلام يميلون لتعريف القاعدة بشكل غير منضبط وغير صحيح.
 
إن التهديد الجهادي سوف يستمر بغض النظر عمن سينتخب رئيسا، وعليه فإن فهم العوامل الفاعلة على قدر كبير من الأهمية. إلا أن فهما حقيقيا لتلك العوامل يتطلب دقة تصنيفية. وعليه، فمن الجدير بالذكر إذن، أن نعيد قراءة تعريفات (ستراتفور) للقاعدة والحركة الجهادية بشكل عام.
 
شبكة من الشبكات
 
لم يكن تنظيم القاعدة_ والذي أنشأه أسامه بن لادن ورفاقه_ في أي وقت من الأوقات كبيرا جدا، حيث لم يزد عدد الأعضاء الفعليين أبدا عن بضع مئات من الأعضاء. وعادة ما نشير إلى تلك المجموعة _ والتي يقودها أيمن الظواهري حاليا_ بالتنظيم الرئيسي أو المركزي للقاعدة. وعلى حين درب منشئو التنظيم آلاف الرجال في معسكراتهم بأفغانستان والسودان، فقد أظهروا أنفسهم كتنظيم طليعي يعمل مع مجموعات أخرى تؤمن بنفس المعتقد لتسهيل الجهاد الذي يؤمنون بضرورته لإنشاء الخلافة الإسلامية العالمية. معظم الرجال الذين تدربوا في معسكرات القاعدة كانوا أعضاء في تنظيمات أخرى أو أفرادا جهاديين عاديين. غالبيتهم تلقوا تدريبا مبدأيا، ولم يدع لإكمال تدريبه في المهارات الإرهابية، كالمراقبة وتزوير المستندات وصناعة القنابل، إلا القليل المختار منهم. ومن تلك القلة المختارة، اختير عدد قليل للانضمام لتنظيم القاعدة الرئيسي.
 
غير أن (بن لادن) كان له تصور آخر لغرض القاعدة : قيادة الحرب ضد الحكام الفاسدين في العالم الإسلامي وضد الولايات المتحدة، والتي كان يؤمن بتدعيمها للحكام المسلمين الفاسدين. وسعت القاعدة لاستئصال الولايات المتحدة من العالم الإسلامي بنفس الطريقة التي طرد بها (حزب الله) القوات الأمريكية خارج لبنان ، وبنفس الطريقة التي أجبرت بها الصومال القوات الأمريكية على الانسحاب من مقديشو.
 
وكذا أصبحت القاعدة شبكة من الشبكات، وهي الخاصية التي لم تتجل فقط في طرق تدريبها، بل في خطاب بن لادن أيضا. فعلى سبيل المثال، حين أعلن بن لادن في العام 1998 عن (الجبهة الإسلامية العالمية)، والتي أعلن فيها الجهاد ضد اليهود والصليبيين، تم توقيع تلك الاتفاقية من الظواهري ( والذي كان حينها قائدا للجهاد الإسلامي المصري) مع قيادات لمجموعات أخرى تشمل الجماعة الإسلامية المصرية، وجمعية العلماء الباكستانية وحركة الجهاد ببنجلاديش.
 
وعقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، مارست الولايات المتحدة على تنظيم القاعدة المركزي ضغطا كبيرا من معاولها الخمسة لمكافحة الإرهاب. المخابرات والجيش وفرض القانون والدبلوماسية والعقوبات المالية. ونتيجة لذلك فإن كثيرا من أعضاء القاعدة، بمن فيهم بن لادن، إما أُسروا أو قتلوا ، وتم تجميد أرصدتهم. وضمنت مثل تلك الإجراءات أن يظل التنظيم صغيرا بما لا يكفي لإحداث أي مخاوف أمنية. وتتخفى البقية الباقية من التنظيم في باكستان قرب الحدود الأفغانية. وساهم عزلهم هناك بشكل كبير في إضعاف قدرتهم على القيام بأي هجمات. وينحصر الآن دور التنظيم الرئيسي للقاعدة في إنتاج دعاية إعلامية (بروباجاندا) للإرشاد والإلهام لباقي العناصر الجهادية. وعلى الرغم من الاهتمام الإعلامي المتفاوت ببيانات الظواهري وأدهم جاهدان، فإن تنظيم القاعدة الأساسي لا يمثل سوى جزء ضئيل جدا من الحركة الجهادية. في الواقع، لم يقم التنظيم بهجمة إرهابية واحدة ناجحة منذ سنوات.
 
ومع ذلك فإن التنظيم لم يدمر تماما. بل ويستطيع إعادة تكوين نفسه لو أن الولايات المتحدة خففت من ضغطها، ولكننا نعتقد أن ذلك صعب نظرا لخسارة شخصية كاريزمية كبن لادن وإحلاله بالظواهري حاد الطباع.
 
وعلى كل حال فإن الحركة الجهادية قد تفوقت على تنظيم القاعدة المركزي. في الحقيقة، قامت (ستراتفور) ولمدة سنوات بنشر توقع مستقبلي سنوي عن القاعدة، ولكننا بدءا من العام 2009 غيرنا عنوان التوقع بشكل متعمد لنعكس عزل وتهميش تنظيم القاعدة المركزي في مقابل صعود حركات جهادية أخرى. واعتقدنا أن تحليلنا يحتاج أن يركز بشكل أقل على تنظيم القاعدة الرئيسي وبشكل أكبرعلى العناصر الناشطة والمهمة في الحركة الجهادية، بما يشمل التنظيمات الإقليمية التي تبنت اسم القاعدة و يشمل أيضا الأفراد الجهاديين العاديين.
 
الوكلاء المعتمدون والأشخاص العاديون
 
ومن عوامل الحركة الجهادية _والتي عادة ما يشار إليها على نحو غير دقيق بالقاعدة_ الشبكة العالمية للجماعات المسلحة المحلية أو الإقليمية التي تبنت اسم القاعدة أو أيديولوجيتها . وفي كثير من الأحيان فإن العلاقات بين قادة تلك التنظيمات وتنظيم القاعدة المركزي قد بدأت في الثمانينات والتسعينات.
 
وقد أعلنت بعض تلك المجموعات ولائها لتنظيم القاعدة المركزي، لتصبح ما نشير إليه عادة بالوكلاء المعتمدون. هذه المجموعات تشمل القاعدة في العراق والقاعدة في المغرب الإسلامي والقاعة في شبة الجزيرة العربية. وعلى الرغم من أن مجموعات الوكلاء تلك تحمل اسم القاعدة، فإنها مملوكة وتدار بشكل محلي، ما يعني أن القادة المحليون لتلك المجموعات لديهم الحرية في اختيار مدى اتباعهم لإرشادات فلسلفة تنظيم القاعدة المركزي.
 
بعض قادة هذه المجموعات كناصر الوحيشي، زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يحافظون على علاقات قوية بتنظيم القاعدة المركزي كما يتبع فلسفة التنظيم بشكل كبير. بعض القادة الآخرون أكثر بعدا عن تلك الفلسفة كمصعب عبد الودود زعيم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. في الحقيقة، فإن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي قد شهد قتالا داخليا عنيفا متعلقا ببعض تلك المسائل العقائدية، ما أدى إلى ترك كثير من قادة التنظيم السلفي للدعوة والقتال الجزائري لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بسبب ذلك النزاع. وأكثر من ذلك فإنه يعتقد بشكل واسع أن قتل الزعيم الصومالي لتنظيم القاعدة فاظل عبد الله محمد قد تم ترتيبه من قبل جماعة الشباب الجهادية الصومالية بعد أن انتقدها بشكل حاد.
 
آخر وأوسع عامل من عوامل الحركة الجهادية العالمية والتي عادة ما يشار إليها بتنظيم القاعدة هو ما يشير إليه ستراتفور بالأفراد الجهاديون العاديون وهم أفراد أو خلايا صغيرة من الأفراد ألهمهم تنظيم القاعدة الرئيسي_ أو بشكل متزايد جماعات الوكلاء المعتمدون لتنظيم القاعدة_ غير أنهم في الحقيقة لهم صلات قليلة أو غير موجودة على الإطلاق بأي من هذه المجموعات. بعض الأفراد الجهاديون العاديون يسافرون إلى أماكن كباكستان واليمن لتلقي تدريب من جماعات الوكلاء. وبعض الأفراد المسلحين الجهاديين ليس لديهم أي اتصال مباشر بالعناصر الجهادية الأخرى. وعادة ما يتم الإشارة لكل من تنظيم القاعدة المركزي وجماعات الوكلاء والأفراد الجهاديون بالقاعدة، غير أن هناك فروقا مهمة بينهم ينبغي التعرف عليها.
 
فروق مهمة
 
هناك فروق مهمة أخرى تساعدنا في تحديد المصطلح وفي التحليل ،ليس كل الجهاديين مرتبطين بالقاعدة، كما ليس كل الجماعات الإسلامية المسلحة جهادية. فالإسلاميون هم أولئك الذين يؤمنون أن أفضل طريقة لحكم المجتمع هي الشريعة الإسلامية. الإسلاميون المقاتلون هم أولئك الذين يدعمون استخدام القوة لتطبيق الشريعة. الإسلاميون المقاتلون يوجدون في كلا الطائفتين المسلمتين فالقاعدة جماعة إسلامية سنية مقاتلة، بينما حزب الله جماعة إسلامية شيعية مقاتلة. علاوة على ذلك فليس كل المسلمين المقاتلين إسلاميين، فالبعض يحمل السلاح لأسباب قبلية إو إقليمية أو عرقية أو قومية، أو خليط من هذه الأسباب.
 
في أماكن كالعراق وأفغانستان واليمن وليبيا وشمال مالي، تقاتل العديد من الجماعات المسلحة القوات الأجنبية أو حكوماتهم أو بعضهم البعض وأحيانا كل ما سبق. بعض هذه المجموعات جهادي وبعضها الآخر ميليشيا قبلية والبعض قطاع طرق ومهربين وبعضهم قوميون. وتعريف وتصنيف وتقسيم هذه المجموعات يعد أمرا بالغ الصعوبة وأحيانا ما تتبدل الولاءات أو تتداخل. فعلى سبيل المثال في اليمن أحيانا ما يتعاون الانفصاليون الجنوبيون مع الميليشيات القبلية أو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أجل قتال الحكومة وفي أحايين أخرى يتقاتلون مع أولئك الحلفاء الاحتماليين. وقد رأينا مثل تلك الديناميكيات في شمال مالي بين مجموعات مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وأنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا والعديد من جماعات الطوارق والميليشات القبلية في المنطقة.
 
ويصبح التصنيف أكثر صعوبة عندما تستخدم مجموعة ما أكثر من اسم، أو عندما تتشارك أكثر من مجموعة اسما واحدا. وتتخذ المجموعات أسماء مختلفة بسبب الحيطة أو الارتباك أو لأسباب متعلقة بالعلاقات العامة. فتنظيم القاعدة في شبه الجزية العربية قد أطلق على نفسه اسم أنصار الشريعة أثناء قتاله ليسيطر على مدن في جنوب اليمن ليحكم تلك المنطقة. غير أن رجل الدين الراديكالي أبو حمزة المصري، والذي ألقي القبض عليه في المملكة المتحدة في العام 2004 وسلم إلى الولايات المتحدة في العام 2012 قاد لفترة طويلة حركة تسمى أنصار الشريعة. حتى الميليشيات الجهادية التي هاجمت القنصلية الأمريكية ببنيغازي تستخدم نفس الاسم.
 
إلا أن تشارك هذه المجموعات في نفس الاسم، ومعرفة قادة وأعضاء تلك المجموعات بعضهم بعضا، لا يعني بالضرورة أنهم أعضاء في نفس المجموعة أو شبكة المجموعات أو أنهم يشتركون في نفس الأيديولوجية.
 
وكما قلنا قبل إسقاط معمر القذافي في ليبيا بوقت طويل، فإن الجهاديين والمقاتلين الآخرين يزدهرون في حالات فراغ السلطة . هذا التأكيد قد ثبتت صحته في أفغانستان والعراق والصومال ، وحديثا في ليبيا وشمال مالي والآن في سوريا. وتدفق الأسلحة في تلك الأماكن يساعد على تعقيد المشكلة.
 
وقد استغل الإسلاميون المقاتلون الفرصة لزيادة تأثيرهم في تلك الأماكن كما فعلت جماعات الإسلاميين المقاتلين المنبثقة منهم والذين نسميهم جهاديين. وفي ذلك السياق، على حين تمت إعاقة تنظيم القاعدة المركزي، فإن باقي أجزاء التنظيمات الجهادية تنتعش.والحالة تلك تتجلى في تلك المجموعات الطامحة في تحقيق تمردات محلية أكثر من تلك الراغبة في تنفذ هجمات دولية.إن تلك الفروق الدقيقة مهمة لإنه حين يتغير تركيب وأهداف الجماعات الجهادية تتغير أساليب هجومهم.

اعداد/ سكوت ستيوارد ـ ستراتفور

ترجمة: مركز الشعلة للأبحاث والترجمة والنشر
http://www.facebook.com/scrpt1
 
"مفكرة الاسلام"
شارك الخبر