تتصاعد المخاوف بين آلاف المودعين اليمنيين حول مصير مدخراتهم البالغة نحو 600 مليار ريال يمني في أعقاب العقوبات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت بنك اليمن الدولي بعد بنك اليمن والكويت.
ويعيش المودعون اليمنيون حالة من القلق المتزايد مع ظهور طوابير طويلة أمام فروع البنوك المستهدفة، حيث يسعى الكثيرون بشكل محموم لاسترداد أموالهم وسط مخاوف من فقدان إمكانية الوصول إليها.
هذه العقوبات المالية لا تقتصر آثارها على تجميد الأصول وحظر المعاملات الدولية، بل تمتد لتشمل تحديات هيكلية في القطاع المصرفي اليمني والاقتصاد المحلي بشكل عام.
تأثير العقوبات على القدرة التحويلية والوصول للأموال:
أدى إدراج بنك اليمن الدولي على قائمة العقوبات الأمريكية إلى تجميد جميع أصوله ومصالحه في الولايات المتحدة، مما تسبب في شلل شبه كامل لقدرته على إجراء أي معاملات عبر النظام المالي العالمي.
وفقاً لمصادر مصرفية مطلعة، فإن الحظر يشمل استخدام نظام التحويل الدولي "سويفت"، مما يعني انقطاع شريان الحياة المالي الذي يربط البنك بالعالم الخارجي، وبالتالي استحالة إرسال أو استقبال الحوالات الدولية عبر المصارف المراسلة.
هذا الوضع جعل البنك عاجزاً عن تلبية احتياجات العملاء من العملات الأجنبية، خاصة في ظل قرار البنك المركزي اليمني في عدن بعدم ضخ السيولة للبنوك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
تزامنت هذه الإجراءات مع انقطاع قنوات تحويلات المغتربين اليمنيين عبر المؤسسات المالية الرسمية، مما فاقم أزمة السيولة داخل البلاد.
وتشير التقديرات المصرفية إلى أن حجم الودائع المهددة في المؤسسات المالية المستهدفة يتجاوز 600 مليار ريال يمني، معظمها تعود لمواطنين عاديين ورجال أعمال يعتمدون على هذه الأموال في معاملاتهم التجارية وحياتهم اليومية.
وأدى شح العملات الأجنبية إلى اضطرابات في السوق الموازية، مما انعكس سلباً على معدلات التضخم المحلي وأسعار السلع الأساسية التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد.
تداعيات اقتصادية ومخاطر فقدان الثقة:
يرسم الخبراء الاقتصاديون صورة قاتمة لما وصفوه بـ"قطع الحبل السري" الذي يمكّن البنك من تمويل عملياته، مما يدفع المودعين إلى التهافت على سحب ودائعهم خوفاً من فقدان قيمتها أو القدرة على استردادها في المستقبل.
وقد شهدت الأيام التي تلت إعلان العقوبات ازدياداً ملحوظاً في طوابير المودعين أمام فروع بنك اليمن الدولي في صنعاء، حيث يحاول المواطنون استرداد مدخراتهم وسط محدودية السيولة المتاحة.
ويرى محللون أن هذه الظاهرة تمثل بداية لأزمة ثقة في النظام المصرفي اليمني قد تؤدي إلى عزوف المواطنين عن التعامل مع البنوك بشكل عام.
ومع تراجع قدرة البنك على الاستجابة لطلبات السحب، تتفاقم المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، وتزداد احتمالات لجوء المواطنين إلى أنظمة مالية موازية وغير رسمية.
وقد أشارت دراسات اقتصادية إلى أن استمرار هذا الوضع سيسبب تآكلاً في القيمة الحقيقية لمدخرات المواطنين، خاصة في ظل معدلات التضخم المرتفعة التي يشهدها الاقتصاد اليمني.
تصاعد المخاوف من فقدان الثقة في النظام المصرفي يمكن أن يفضي إلى تزايد الاعتماد على القطاع غير الرسمي، مع ما يصاحب ذلك من فوضى في تحديد أسعار الصرف وارتفاع مخاطر غسيل الأموال والتهرب الضريبي.
الخيارات المتاحة أمام المودعين والحلول المحتملة:
في خضم هذه الأزمة، تبرز عدة خيارات أمام المودعين اليمنيين للحفاظ على قيمة مدخراتهم، وإن كانت جميعها تنطوي على درجات متفاوتة من المخاطر.
ومن بين الحلول المطروحة نقل المقرات الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن، أو التنسيق مع البنك المركزي في عدن لتحسين ضخ السيولة بالعملة المحلية والأجنبية.
كما تقترح بعض الدراسات المالية إمكانية السعي للحصول على تراخيص استثنائية من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي (OFAC) للسماح بإجراء بعض المعاملات الإنسانية والضرورية، وهو إجراء معمول به في بعض الحالات الاستثنائية المشابهة.
على الصعيد الفردي، ينصح خبراء ماليون المودعين باللجوء إلى شركات الصرافة المرخصة التي لا تخضع للعقوبات الأمريكية، والتي تقدم خدمات الحوالات عبر قنوات بديلة، رغم ارتفاع عمولاتها مقارنة بالبنوك.
ويمثل تنويع وسائل الاحتفاظ بالقيمة استراتيجية أخرى للحماية، من خلال تحويل جزء من المدخرات إلى أصول عينية كالعقارات أو الأراضي الزراعية أو السلع ذات القيمة المستقرة، للتحوط ضد التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية.
لكن يبقى التحدي الأكبر في تنفيذ هذه الاستراتيجيات في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد اليمني، وضعف البنية التحتية المالية، والانقسام الإداري الذي يشهده البلد.