تلوح في أفق وادي حضرموت أزمة تهدد إمدادات الكهرباء الحيوية للمنطقة، وسط تزايد التوترات الأمنية والتحديات البيئية التي تشهدها المحافظة في الآونة الأخيرة.
وتتشابك هذه التحديات في نسيج معقد من المخاوف المتصاعدة حول مستقبل البنية التحتية في المنطقة، خصوصًا مع ما تشهده المحافظة من انعقاد متكرر للجان الأمنية لمناقشة الاستقرار المجتمعي، وتحذيرات من توابع الظواهر الطبيعية التي قد تؤثر على شبكة الكهرباء المتهالكة أصلاً.
ويأتي هذا في وقت يسعى فيه سكان المنطقة للحصول على خدمات أساسية مستقرة، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعكسها تقلبات أسعار الصرف المستمرة.
الوضع الأمني في وادي حضرموت:
يشهد وادي حضرموت حالة من التوتر الأمني المتصاعد، تجلت في سلسلة من الاجتماعات العاجلة للجنة الأمنية بالمحافظة.
ووفقًا لمصادر محلية، عقدت اللجنة الأمنية اجتماعًا برئاسة محافظ حضرموت مبخوت مبارك بن ماضي، تناول بالدرجة الأولى الوضع الأمني وسبل تعزيز الإجراءات الأمنية لمواجهة ما وصف بـ"التجنيد خارج الأطر الرسمية" في وزارتي الدفاع والداخلية.
وأخذت اللجنة على عاتقها مناقشة خطورة التشكيلات غير الرسمية التي تنشئ نقاطًا مسلحة وتمارس نشاطات خارج إطار مؤسسات الدولة، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة ويؤثر بالتبعية على البنية التحتية للكهرباء.
تزامنت هذه التطورات مع حادثة اعتقال لافتة في المشهد المحلي، حيث أشارت تقارير إعلامية إلى قيام قوة أمنية تابعة لشرطة مديرية حريضة باعتقال الصحفي عوض كشميم بن هلابي من سوق حريضة، في خطوة وصفتها بعض المصادر بأنها "تهدف إلى تكميم الأفواه".
ويضاف إلى المشهد الأمني المضطرب تحذير صادر عن مؤتمر حضرموت الجامع، الذي أشار في بيان له إلى وجود "تحركات خطيرة ومريبة تهدف إلى إدخال المحافظة في حالة من الصراع وعدم الاستقرار".
هذه التوترات الأمنية المتصاعدة باتت تشكل عائقًا أمام صيانة وتطوير شبكة الكهرباء، مع تعذر وصول فرق الصيانة إلى بعض المناطق وصعوبة نقل المعدات والإمدادات اللازمة للإصلاح والتطوير، مما ينذر بتفاقم أزمة الكهرباء في المستقبل القريب.
تحذيرات مركز الإنذار المبكر وخطر وشيك يهدد محطات الكهرباء:
أضافت العوامل البيئية بُعدًا جديدًا لمخاوف تدهور خدمات الكهرباء في وادي حضرموت، مع إعلان مركز الإنذار المبكر بالمحافظة عن تشكل كتلة غبار واسعة مصحوبة بعاصفة رملية كبرى فوق أجواء الخليج العربي والعراق.
وبحسب التوقعات، فإن هذه الكتلة مرشحة للتحرك جنوبًا نحو صحاري اليمن خلال الأيام القادمة، وإن كان تأثيرها سيكون أقل حدة.
ورغم التخفيف من شأن تأثيرها المباشر، إلا أن الخبراء يحذرون من أن العواصف الرملية والغبارية تمثل تهديدًا حقيقيًا لمحطات توليد الطاقة ومحولات الكهرباء، إذ تتسبب في تراكم الأتربة على المعدات وأنظمة التبريد، مما قد يؤدي إلى أعطال فنية وانقطاعات في التيار الكهربائي.
ويشير المختصون في مجال الطاقة إلى أن البنية التحتية للكهرباء في وادي حضرموت تفتقر أصلًا إلى الصيانة الدورية المناسبة والتحديثات التقنية اللازمة لمواجهة مثل هذه التحديات البيئية. وتكمن خطورة الموقف في أن هذه العواصف
وقد تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف، مما يزيد الضغط على شبكة الكهرباء المتهالكة بسبب زيادة الطلب على التيار الكهربائي لتشغيل أجهزة التكييف والتبريد.
وحسب تقديرات خبراء محليين، فإن التأثير المزدوج للعواصف الرملية وارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي لفترات طويلة، مما يهدد بشكل مباشر القطاعات الحيوية في المنطقة، بما في ذلك المستشفيات ومحطات ضخ المياه والمنشآت التجارية والصناعية.
الاستعدادات والإجراءات المقترحة لتفادي أزمة الكهرباء:
في خضم هذه التحديات المتراكمة، تتجه الأنظار نحو الإجراءات الواجب اتخاذها لتفادي كارثة كهربائية وشيكة في وادي حضرموت.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن المسؤولين في مؤسسة الكهرباء المحلية قد بدأوا في إعداد خطة طوارئ لمواجهة الانقطاعات المتوقعة، تتضمن استدعاء جميع الفنيين وفرق الصيانة وإلغاء الإجازات لضمان جاهزية الفرق على مدار الساعة.
وتتضمن الخطة أيضًا تحديد أولويات الصيانة والإصلاح للمحطات والخطوط الرئيسية التي تزود المرافق الحيوية كالمستشفيات ومحطات المياه.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الجهود يتمثل في شح الإمكانيات المادية والفنية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي تنعكس في تذبذب أسعار الصرف التي وصلت وفقًا لآخر المؤشرات إلى 2430 ريالًا للدولار الأمريكي و637 ريالًا للريال السعودي في حضرموت.
وهذه المعطيات تجعل من الصعب توفير قطع الغيار اللازمة والوقود لتشغيل المحطات، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف الاستيراد وصعوبات النقل.
وفي ظل هذا الوضع الحرج، تتعالى الأصوات المطالبة بتدخل سريع من الحكومة والمنظمات الدولية لتوفير الدعم العاجل لقطاع الكهرباء في المنطقة، مع التركيز على توفير مولدات إضافية وتعزيز الصيانة الوقائية للمحطات القائمة، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة كحلول مستدامة على المدى الطويل.
تقف حضرموت اليوم على مفترق طرق مصيري فيما يتعلق بمستقبل الكهرباء في الوادي الذي يمثل شريان الحياة للمنطقة.
المشهد المتداخل من التوترات الأمنية والتحديات البيئية والصعوبات الاقتصادية يضع المسؤولين أمام مسؤولية استثنائية تتطلب تضافر الجهود وتنسيق العمل بين مختلف الأجهزة الأمنية والفنية والإدارية.
ولعل ما يعزز أهمية التحرك السريع ما أكدته اللجنة الأمنية في حضرموت من ضرورة "الوقوف بحزم ضد كل المخالفين" في إشارة إلى عزمها على فرض الاستقرار الذي يمثل الشرط الأساسي لضمان استمرار عمل مرافق البنية التحتية، وعلى رأسها قطاع الكهرباء الذي بات على حافة الانهيار.