خريف طهران

عبد الله الجنيد
الاثنين , 13 فبراير 2017 الساعة 09:35 صباحا
كانت تطلعات القيادة السياسية الإيرانية لعام 2017 إيجابية إلى حين إعلان نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية وفوز الرئيس ترامب. فقد كانت القيادة الإيرانية تتطلع لاستثمار ما حققته من مكاسب سياسية خارجيا لاستثمارها داخليا في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مايو.
إلا أن اعتبار الرئيس ترامب إيران إحدى أولويات سياسته الخارجية الموازية لمواجهة الصين في منطقة الجرف الباسيفيكي يهدد بتقويض أغلب المكتسبات الإيرانية الخارجية.

وحملت التصريحات الأخيرة لنائب الرئيس الأميركي مايك بنس بعض الطمأنينة النسبية للقيادة الإيرانية: \"سيكون من مصلحة إيران أن تعي أن هناك رئيسا جديدا و يتحتم عليها عدم امتحان بأس هذا الرئيس\".

ومع أن الإعلام العالمي يتناول احتمال قيام الرئيس ترامب بعمل عسكري استباقي تأديبي، إلا أن مجلس الأمن القومي الأميركي يعي أن أي عمل عسكري سيخدم النظام السياسي الإيراني ولن يضعفه كما يعتقد الكثيرون.

وحتى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يعون ذلك تماماً، فالمصلحة الاستراتيجية تقتضي أن يترك هذا النظام لينهار من الداخل عبر تضييق الخناق عليه من الخارج.

فالولايات المتحدة ملزمة الآن بمراجعة تقييمها لموقفها من العراق على ضوء التواجد الروسي الدائم في سوريا، وكل المؤشرات تدلل على حدوث تلك المراجعة بما تقتضيه حماية مصالحها الاستراتيجية مما سوف يهدد هلال إيران الشيعي المطل على المتوسط والمتعارض مع الرؤية الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة.

لذا، فإن أي تهديد مباشر لمكونات ذلك المشروع غير المكتمل حتى الآن، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة المطالبات بتقرير المصير من قبل الأقليات في إيران من البلوش جنوبا إلى الأكراد شمالاً والعرب الأحوازيين، سيضيف للتحديات الداخلية.

وتأتي الانتخابات الرئاسية الجديدة وخيارات خامنئي محدودة، إذ لن يكون مقبولا عودة أحمدي نجاد لسدة الرئاسة إن أرادت إيران معالجة تلك التحديات بشكل أكثر واقعية، مما قد يدفع المرشد لدعم الدكتور علي أكبر ولايتي ليكون مرشحه في المعترك الرئاسي في ظل وجود رجل المرشد القوي (الأدميرال علي شمخاني) ممسكاً بزمام مجلس الأمن القومي.

فالدكتور ولايتي يمتلك الرصيد السياسي الكافي لمواجهة أحمدي نجاد العازم على خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، هذا بالإضافة إلى كونه وزير خارجية سابق في حكومة مير حسين موسوي، الذي ينظر إليه في الغرب كقائد للثورة الخضراء في 2009.

وتأتي جملة هذه التحديات والصف الأول لقيادة الثورة من رفاق المرشد خامنئي في تناقص بفعل عامل السن، ويقبع آخرون من شبابها آنذاك من أمثال مير حسين موسوي و مهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية منذ 2009 رافضين لأي تسوية مع المرشد خامنئي.

لذلك فإن الحفاظ على تمثيل سياسي حقيقي لمبادئ الخميني الثورية سوف يتعرض لأصعب امتحاناته داخليا قبل خارجيا.

لكن مع تراجع دور خامنئي نتيجة عوامل صحية إلا أن مؤسستي الأمن القومي والحرس الثوري قادرتين على التوصل إلى مفاضلة سياسية قد تحظى بمباركة المرشد الأعلى، مع أن مؤسسة الحرس الثوري تفضل رجلها القوي أحمدي نجاد لكنها تدرك أن عليها التحضير لمتغيرات كثيرة في حال لحق المرشد خامنئي بمن خلق هذا المنصب رفيق درّبه الرئيس السابق رفسنجاني.

وستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة الأصعب في تاريخ الثورة الإيرانية في حال أعادت إدارة ترامب تموضعها السياسي والعسكري عراقيا.

حينها، سيرتفع سقف تحديات إيران الداخلية خصوصا في مواجهة الأقليات المطالبة بحق تقرير المصير، مما يقود إلى تسريع تكون الكتلة الحرجة المطلوبة لإحداث متغيرات كبرى في هيكلية النظام السياسي الإيراني مبشرةً ببدء خريف ثورتها مع تراجع ملحوظ في حجم القاعدة الاجتماعية للنظام. وهذا ما أثبتته وقائع 2009.

أما حقيقة قوتها العسكرية، فهي تدرك أن ما حققته سياسيا كان في دولٍ فاشلة عبر وكلائها لا بقوتها العسكرية المباشرة التي لا تمتلكها أصلا.

وما تهويلها بمنظوماتها الصاروخية إلا بمثابة ستار دخاني يخفي حقيقة بنيتها العسكرية الهشة.

فسلاح الجو غير قادر على حماية أجوائها او نقل التهديد لأراضي الخصم حتى ولو بشكلِ نسبي.

أما سلاح البحرية فهو متهالك ولا يملك القدرة على الصمود في أي مواجهة محتملة في مياه مفتوحة، أما داخل نطاق الخليج العربي فإنه في حكم الميت تكتيكيا و عملياتياً.

لذلك يجتهد شمخاني الآن في التفاوض مع الأميركيين في باب المندب عبر مناورات بائسة.

\"سكاي نيوز عربية\"