السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٧ مساءً

بين صنعاء وباريس .. أسئلة القادم!

حسين الصوفي
الخميس ، ٠٨ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٢٢ صباحاً
في ظهوره لتغطية حادثة إطلاق النار على صحيفة "شارلي إيبدو" وجد نور الدين بوزيان نفسه مضطراً لمواجهة الحقيقة وحدها لا غير ووضع النقاط على الحروف لا رتوش فاختار أن يتحدث بلغة مواطن مسلم فرنسي فسبقته العبرة وهو يخرج من عباءة الصحفي المتجرد متحشرج الصوت خائف مضطرب وقال "توجيه أصابع الإتهام إلى المسلمين والحديث على أن المسملين أصبحوا يمثلون خطرا على أمن وقيم وهوية المجتمع الفرنسي ... أستطيع القول كمواطن وليس كصحفي (ثم خنقته العبرة) بأن أيام المسلمين في فرنسا ستكون صعبة للغاية خاصة إذا دخل اليمين المتطرف على الخط .."

ظهر الصحفي نورالدين بوزيان - وهو من بين أكثر طاقم الجزيرة حصافة وطلاقة ودقة وصف- ولم تسعفه المفردات الصحفية في إيصال الرسالة الحقيقية التي أراد منفذو عملية إطلاق النار على مقر الصحيفة الفرنسية في أحد الشوارع الفرعية في باريس ويجيب بحشرجات خوفه من القادم الذي سيجني ثمرته "اليمين المتطرف" في فرنسا!!
بكى زيان المواطن في باريس وهو يعيش الغربة الحقيقة التي بدأت مع أول دقيقة من العام 2015م والذي سبقته وكالات الأنباء كرويترز وصحف غربية أنه سيكون أسوأ من سابقه ودموياً في حين توقعت بعض وكالات الأنباء (بناء على تسريبات مخابراتيه) أن تقوم في العام الداخل للتو عشرة حروب دامية!!
**
متى بكى نور الدين بوزيان؟ لقد كانت دموعه متلاحقة تتشابك مع دموع أمهات ضحايا كلية الشرطة في صنعاء ، القتلى الذين كانوا في بوابة (الشعب اليمني) حسب تسمية الدكتور فيصل علي ، والتي أكدت المعلومات المتواترة من شهود أن الطلاب تواجدوا خلال الأسبوع الماضي عبر بوابتين إحداهن خاصة بالأخوة (أنصار الله) وهي التي لم يمسسها سوء؛ فيما انفجر الباص في بوابة (الشعب اليمني)!!

بين جريمتي صنعاء وباريس هناك ضحايا فقط في صنعاء وهناك ثمرتان ومستثمرين للجريمتان في خط متقارب أو متطابق ، ففي صنعاء سيهجو الناس ويلعنون "الإرهاب" وسيدعون عليه ويطالبون خطباء المساجد بسب "الدواعش والتكفيريين والمتطرفيين" وسيتم احتلال مساجد في صنعاء وفي بعض المحافظات لم يفصحوا عن بغضهم للإرهابيين الذين يفجرون طلاب كلية الشرطة وربما يكون من بينهم أحد أقرباء ضحايا كلية الشرطة ، وستسأل نفسك : من هو الإرهاب؟! ماشكله؟ ما لونه ؟! وستجد أنك تتحدث عن اللاشيء، عن اللاموجود، عن الوهم ، عن شبح ذهني غائب لا كيان له لكن له أثراً!! وتكتشف أن هناك "مصطلحات " تم تكرارها ولوكها في الإعلام حتى أصابتنا بالبلادة ويتم إلصاق كل الجرائم التي تحدث لنا باللاشيء ونعود فقط بأحزاننا نتأهب لحزن جديد!!

لكن طرفاً بالتأكيد هو من يستثمر الجرائم البشعة والقاتلة بغض النظر عن علاقة مباشرة له بصناعة الجريمة أم لا!!

هذا الطرف هم الحوثيون الذين يجدون الدعم والمساندة الدولية والإقليمية التي أعلنت حربها على الإرهاب، والإرهاب لدى الإخوة الحوثيون هم تنظيم "أنصار الشريعة" المولود من رحم القاعدة ، وستجد التعريف الحوثي يستمر بوصفه للإرهاب بأنه القادم من الحاضنة السلفية التي ترعاها جماعة الإخوان المسلمون(!!) وهنا سوف يصمت الحوثي ليكمل التعريف المستثمر للعملية "الإرهابية" في باريس ، اليمين المتطرف الذي ترجمه صوت نورالدين بوزيان " بأن أيام المسلمين في فرنسا ستكون صعبة للغاية" وهنا تتضح الصورة وتكتمل أركانها عن المستثمر لكل الفوضى في العالم العربي والكرة الأرضية وكوكب المريخ أيضاً!! سيأتي القادم للتنكيل بالمسلمين بجميع طوائفهم وتوجهاتهم في فرنسا باعتبار أنهم الخلفية الفكرية للتطرف والإرهاب الذي قال الحوثيون أن الإخوان المسلمين إطار كبير أنتج الفكر السلفي "الوهابي" الذي فرّخ "تنظيم القاعدة" الذي أنشأ "أنصار الشريعة" الذي صنع "الإرهاب" الذي هو إنتاج حصري للنبي محمد عليه السلام بالنسبة لتعريف الغرب وفرنسا خصوصاً وهي الحلقة الناقصة في تعريف الحوثيين!

**
الضحايا في صنعاء في تفجير كلية الشرطة –مع أن كل دم أي إنسان حرام- أغلبهم إصلاحيين حسب أسماء وصور بعض القتلى التي ينشرها زملاءهم وذويهم، وبعض المتقدمين للكلية كانوا قد أثاروا موجة احتجاج بالأمس الأول بسبب تمايز وما أسموها عنصرية وانتقاء ومحسوبية ووساطات مقيته تحمل فرزاً يحاولون تصنيفه عنصرياً – رغم أن تركيبة المجتمع لا تقبل التقسيمات المطلقة طائفياً أوسياسياً أو مناطقيا- في ذات الوقت كانت مطالبات ومنشورات لقيادات محسوبة على الحوثيين تطالب بنقل التسجيل إلى مكان غير بوابة الكلية وهي تسريبات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في التحقيق فيما لو تم!

**
بالعودة إلى بكاء نور الدين بو زيان فقد جاء صبيحة توارد الأنباء عن بدء الترتيبات لنقل قيادة حماس وعلى وجه خاص خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة من قطر إلى تركيا والذي يأتي ضمن سياسة امتصاص الضغط الدولي والإقليمي على الدوحة عقب موجة الإنقلاب الدموي على ثورات الربيع العربي، وهو ترتيب رحبت به دول الاصطفاف ضد الحرب على "الإرهاب"!! ولنضع ألف خط أحمر تحت مصطلح "الإرهاب"!! عقب خطوة إيقاف (الجزيرة مباشر مصر) وقبول الجزيرة لوصف (الرئيس المصري) عند تغطيتها لأحداث (قائد الإنقلاب) سابقاً عبد الفتاح السيسي، وهنا يجب التوقف عن خطاب السيسي (الرئيس المصري) في حضرت علماء الأزهر وهو يدعوهم لمراجعة "نصوص دينية"!! -ضعوا ألف خط تحت "نصوص"- باعتبار أنها تصنع "الإرهاب" حيث قال السيسي "لا يعقل أن مليار وربع يعملون على إبادة العالم" متهماً بأن الخلفية الفكرية للمسلمين عبر تراثهم الممتد لمئات السنين يحمل جذوراً إرهابية وصفها بـ "النصوص"!! وهو قول يحمل الكثير من الوضوح في نوعية الحرب القادمة التي مست جوهر الدين وصلبه ، فلم يتحدث أحد من قريب أو بعيد مسلم أو غير مسلم عن خلل في "النصوص" والتي هي "القرآن الكريم" المتواتر المنزه عن الخطأ الذي قال الله عنه "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" وقال فيه أن أم الكتاب وأساس التشريع واضحة لا تقبل اللبس ولا التأويل ولا التفسير وهنّ محكمات وهنّ أصل التشريع " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" فماذا يريد السيسي من علماء الأزهر الذين شكلوا لجنة على الفور لتنفيذ توجيهات (الرئيس المصري) بتصحيح وحذف "النصوص" ولم يقل الأفهام أو التأويلات أو التصورات أو المنهجية الفقهية لبعض المذاهب وإنما قالها بكل صراحة "النصوص" التي تصنع "الإرهاب"!!
وامتداداً لهذا الخطاب فقد بدأ الإعلام المصري الحكومي بإستضافة علماء أزهريون أثاروا اللغط ونبشوا في المتشابه " فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ" لأن في قلوبهم زيغٌ وفي برنامج رئيسهم ملفات مطلوبة للغرب عنوانها الحرب على "الإرهاب"!!

**
هل كل ما يجري صدفة؟ وهل سعي الإعلام الموجّه ومطابخه المحترفة التي سعت إلى شيطنة الإخوان خلال السنتين الأخيرتين مما سهل عليهم حصر قضايا الحرية والكرامة وهموم الشعوب العربية وثورات الربيع العربي واختزالها في "الإخوان المسلمين" باعتبارهم "من تسلّق على الثورات وجنى أرباحها"! وهو ما صنع تفكيك للمنظومة الثورية الشعبية واختزلها في هذا الفصيل عقبه كامتداد اختزال القضية الفلسطينية وتحرير الأرض والمقدسات في فلسطين في "حماس" سليلة الأخوان ، ثم في كتائب القسام، ثم صنع عدواً وهمياً هلامياً أسطورياً خرافياً إسمه "داعش" وتحميل العالم كله ومصائبه لهذا الوهم الغير مرئي، ثم إعلان الحرب الهوجاء التي لا تبقي ولا تذر؟

وهي أسئلة يجيب عليها بكل وضوح وشفافية وصدق شعور صوت نور الدين بوزيان "أن الأيام القادمة صعبة للغاية على المسلمين في فرنسا"!! وهي صعبة على كل المسلمين لأن المتطرفين هم من يدير كل هذه الفوضى ، مما يتطلب قراءة المشهد بأبعاده الدولية وربط بعضه ببعض للوصول إلى تشخيص دقيق وسليم ، ليتم التعامل بخطوات صحيحة تتناسب مع التشخيص الحقيقي ، لأن أقسى الهزائم أن تحارب "ظل" العدو وتكون ضمن جنود العدو الأكبر!