الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٣٣ صباحاً

مبادرة جديدة.. أية ضرورة؟

حسن العديني
الثلاثاء ، ١٨ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
مازلت أعتقد أن فرص الانقلاب ذهبت وتلاشت معها إمكانية الانفصال رغم أن المظاهر توحي بخلاف ذلك.

يحاول الرئيس السابق أن يظهر عدم اكتراث بالتطورات الأخيرة وبالخصوص منها العقوبات المفروضة عليه بقرار من المجتمع الدولي وفي هذا سوف يستمر في التفتيش عن مناسبات وعن أسباب تضعه أمام الأضواء كرئيس للمؤتمر الشعبي العام لم يختل تماسكه ولم يفقد عزمه.

وبالتعامل مع التطور الأقل أهمية فقد أقدم على فصل الوزيرين اللذين قبلا التكليف بالمشاركة في الحكومة من عضوية المؤتمر، فقد كان منصب الوزير يمنح كمكافأة منه للأشخاص أو إرضاءً لأسر وجماعات. وفي حكومة الوفاق الوطني التي شكلت بالتزامن مع قرار عزله احتفظ بحقه في اختيار وزراء المؤتمر، وكانت تلك أول مرة يجد نفسه فيها مقيداً إلى حد. وأثناء الترتيبات لتسمية أعضاء الحكومة التي ستخلف حكومة باسندوة بقي لديه أمل باستمرار هذا النصيب وإن انخفض مقداره، فقد أمل بأن يكافئ بعض من استماتوا في حروبه خلال السنوات الثلاث الماضية ضمن تسعة مقاعد كان مقرراً أن يتولاها المؤتمر، مع أنها مكافأة مؤقتة في تقديره وفي علمهم حتى ينتهي من إكمال مخططه في العودة إلى السلطة بشخصه، والأرجح بصورة ابنه الشاب الذي اجتهدت وسائل إعلامه تصويره كمنقذ ومخلص، رغم أن الصور والأحاديث المروية عمن قدموا أنفسهم للسامعين كعارفين بالشمائل والفضائل التي يتمتع بها لم تفلح في إلباسه شخصية الحمدي كما حاولوا أو في استدعاء التجربة المصرية في شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وأمام الفشل المركب فإن علي عبدالله صالح أقصى الوزيرين من المؤتمر دون أن يتنبه لزلة الانكشاف كمتصرف وحيد في الحزب، فحين عين نائباً لرئيس الحزب وأميناً عاماً جديدين استدعى اللجنة الدائمة كي يصدر القرار باسمها، ولم يرَ ما يلزمه اعتماد الأسلوب نفسه بعد ثلاثة أيام فأبان الحقيقة أمام الرأي العام في الداخل والخارج بأنه كان في الماضي، وما يزال الآن، ينفرد بالقرارات المهمة في المؤتمر غير عابئ بالنظام الأساسي واللوائح الحزبية. على أن هذا كاشف للمرة المليون لأسلوب اتبعه في إدارة الدولة حيث الدستور والقوانين والأنظمة، ورق يتطاير في الهواء أمام رغباته ونزواته في كل حين.

سوف يستمر أكثر من هذا، ولكن إلى حين. وعلى المنوال فقد أجرى حديثاً لوسائل إعلام روسية ليس المهم فيه رد السخرية من قرار مجلس الأمن بمعاقبته، بل تلك الخفة التي أراد بها الإيحاء بأنه الراعي الكبير للشئون العامة كلها من خلال شكره الموجه للمواطنين المؤازرين لفريق المنتخب الوطني.
أردت القول إن المقامرة توجب عليه ألا ينسحب من المشهد فجأة، وأنه سيجر أذياله شيئاً فشيئاً إلى أن يتلاشى في المغيب. مع ذلك سيبقى من اللازم على الرئيس هادي أن يذهب في خطة واسعة لإعادة بناء هيكلية المؤتمر الشعبي العام بدون صالح، وقد قال لي أحد الزملاء الصحافيين بعد القرار الصادر بشأن الرئيس هادي والدكتور الإرياني إن الرئيس يستطيع الاعلان عن تشكيل حزب جديد وسوف ينخرط فيه كل أعضاء المؤتمر، باعتبارهم موظفين في حزب السلطة لن يبارحوا مواقعهم أو يخسروا مصالحهم، وذكرني بما فعله الرئيس المصري أنور السادات حين أنشأ الحزب الوطني الديمقراطي بديلاً في السلطة عن حزب مصر العربي الاشتراكي ولم يكن السادات يريد من ذلك سوى التخلص مما بقي من الاشتراكية وهو لفظها، فانسحب إلى الحزب الجديد كل قيادات وأعضاء الحزب القديم باستثناء عبدالعظيم أبو العطا وكان وزيراً سابقاً للري وثلاثة آخرين كافأهم السادات فيما بعد باعتقالهم ضمن قوائم حملة 5 سبتمبر 81 التي سبقت اغتياله. كذلك قال لي زميلي للتقليل من شأن قرار صالح الصادر باسم اللجنة الدائمة، وقلت بأن هذا سيترك للرئيس السابق أو لآخرين مهما قل عددهم التصرف باسم شرعية المؤتمر بأمواله المهولة أو سيلزمه بقرار لا داعي له لحل الحزب ومصادرة ممتلكاته.
ولقد تصرّف الرئيس بعد ذلك وجمّد أموال المؤتمر لكي يحكم سيطرته على نشاطه من خلالها، غير أن ما أعلن خاص بالأموال في الداخل، في وقت يمتلك الحزب ودائع وحسابات وأصولاً أخرى موزعة على بلدان عديدة، لا أظن أن الرئيس تجاهلها.
لكن الظواهر على الأرض تقول: إن هناك مصادر للقوة في يد الرئيس السابق غير المؤتمر الشعبي وإنه مع جماعة الحوثي ما انفكوا يواصلون الحرب في البيضاء ويتأهبون لاجتياح مأرب وفي ذلك ما يبقي على المخاوف بنظر البعض.

ولست أنكر خطورة الحرب وما تحدثه من هلاك للأرواح ودمار للمنشآت بل وللحياة كلها، لكني أعتقد أنها تُخاض لحسابات تخص الحوثيين في المقام الأول وربما يريدون من توسيع انتصاراتهم أوراقاً جديدة في تفاوضاتهم مع قوىً بعينها في إطار لعبة إعادة توزيع المصالح، وإذ يشارك فيها علي عبدالله صالح فإنه يدرك أن مداها قصير، بحيث لا يمهل الزمن اجراءات عقابية أخرى ضده. ومهما يكن من أمرها فإن الطريق إلى قصر الرئاسة لا يستوجب السير في رمال الصحراء الحارقة قريباً من حقول النفط وفوق شلالات الدم.

لقد ذهبت فرصة تشكيل مجلس في صنعاء يدعي الحق في الحكم بقوة السلاح. وبالنتيجة سقطت إمكانية إعلان الانفصال في عدن سواء رجع البيض وأصحابه أو بقوا حيث هم، فقد تبددت أوهام لديهم غذتها سياسات ولى رجالها وآن الوقت لاستبدالها بأخرى جديدة تقيم موازين العدل وتنشر السلام والرخاء والطمأنينة.
يقود هذا إلى متطلبات المرحلة القادمة وما إذا كنا ندركها ونقدر عليها أم أن حاجتنا لم تزل لمظلة جديدة نستدفئ بها من مطر الحرب وبرد الفوضى، ذلك أن حديثاً يتردد على استحياء عن مبادرة خليجية جديدة تكمل ما بدأته الأولى. والفكرة وردت على لسان وزير الخارجية العمانية “يوسف بن علوي” في سياق حديث أجرتها معه جريدة الشرق الأوسط الاسبوع الماضي.

ليس هناك ما يدلل على أن الفكرة موضع بحث جديد بين مطلقي المبادرة الأولى «دول مجلس التعاون» وشركائهم في رعايتها «الدول الخمس الكبرى»، لكن بعض الصحف والوكالات الأخبارية اهتمت بها. وقد لا يكون من الواجب التوقف عندها باهتمام لولا أن مصدرها الدبلوماسية العمانية، لأن عمان عُرفت دائماً بانكبابها على شئونها الداخلية وإراحة البال عن شئون الآخرين حتى بدواعي المساعدة على المشاكل والمواجع.
ولقد يكون الوزير العماني قصد في حديثه ما كان يتعين فعله في وقت سابق للاقتصاد في كلفة التسوية السياسية من واقع أن بلاده شريك في المبادرة الأولى، ودون أن يقصد أن المسألة على نفس المستوى من الإلحاح الآن.

ولقد يُفهم أن المقترح إذ يجيء من هناك فهو إيراني في الأصل، نظراً للعلاقة الخاصة بين الدولتين وذلك فرضاً ليس علينا أن نبني عليه ما لم يطرح على طاولة البحث.
والحقيقة أن اليمنيين لم يكونوا بحاجة للمبادرة الأولى لولا إلحاح الرئيس السابق على القادة الخليجيين لإنقاذه من ثورة كانت تهدد، فوق الإطاحة بنظامه، بعقابه على جرائم اُرتكبت في عهده وأثناء الثورة ضده، وقد استفاد منها بتوفير حصانة قضائية حمته ومعاونيه وفقاً لما طلب. ولقد كان في مقدور اليمنيين أن يحققوا أهداف الثورة بدون تلك المبادرة، بتضحيات أقل، لأن الدم الذي وفرته في ميادين الثورة سال أكثر منه في مواقع القتال على مدى السنوات الثلاث ومن غير أن يتوقف حتى هذه اللحظة.

والحديث عن مبادرة جديدة الآن سوف يعيد خلط الأوراق وقد يرجع بالأزمة إلى بداياتها، ثم إنه بأي المعاني ينطوي على استخفاف بقدرة اليمنيين على حل مشاكلهم ومعالجة أزماتهم بأنفسهم.

إن الأمور واضحة لا تستدعي أي تدخل ولا توجب أية وصاية جديدة من الخارج. فهناك وثيقة مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة. ولقد تحقق من الاتفاق تشكيل الحكومة وبقي رفع المسلحين الحوثيين من المدن بتوقفهم عن مواصلة الحرب. أما المشاركة الوطنية فهي مقصورة في وثيقة مؤتمر الحوار من خلال ما ستسفر عنه الانتخابات القادمة.

ولذلك يتبدى المطلوب الآن الإسراع بإعداد مشروع الدستور والاستفتاء عليه ثم قانون الانتخابات والسجل الانتخابي للانتقال إلى الخطوات الأولى في إعادة بناء الدولة بانتخاب البرلمان الاتحادي ومجالس الأقاليم وحكامها وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية.

سوف يحدد الدستور الخطوات بشكل واضح ومن خلال تطبيقه ستتحقق الشراكة بإرادة الناس وباختيارهم.. وكذلك لسنا بحاجة إلى مبادرة جديدة ولا ضرورة للتعامل مع فكرتها أو الحديث فيها.

"الجمهورية نت "