النظام اليمني والاخوان ونظرية المؤامرة
فؤاد سيف الشرعبي
الثلاثاء , 01 نوفمبر 2011
الساعة 09:01
مساء
وبالتالي يتم الإشارة في كل خبر يمت إلى الثورة بصلة على انه جزء من المؤامرة , وطبيعي جدا أن نلاحظ صبغ أحداث الثورة بهذه الصبغة , فلا يكاد يمر خبر دون إضافة هذه الماركة المسجلة (مليشيات الإصلاح الإخوان المسلمين وجامعة الإيمان ) ويربطون ذلك بالقاعدة وهم بالتالي سبب كل بلاوي اليمن , فهم في الساحات , وهم من يقطعون الكهرباء , ويمنعون الوقود , ويفسدون في الأرض , ويوقفون عجلة التنمية الصالحية , ويرهبون الناس , ويقصفون بيوت الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة من صواريخ( لو) حتى الزراغيف , وهم القناصة , والمعتدون على مساجد الله , والخوارج , والبغاة بل هم من يقتل المتظاهرين , والأخطر من كل ذلك أنهم سرقوا الثورة , من حظيرة الشباب على حد قول رأس النظام المتهالك .
هذا الكلام السمج , يكاد أن يُقـَرَّر على الشعب حِفظ , من كثرة ترديده في القنوات الرسمية على مدار الساعة , ومن خلال استقدام خبراء (مأخوذة من الخبرة بضم الخاء) محليين في القنوات الرسمية , همهم في المكافأة نهاية البرنامج , إضافة إلى موظفي مكاتب الأوقاف , وموظفي جامع الصالح , وأعداء الإخوان من دهاقين العلمانية مثل (عادل الشجاع و وحبيشي 14 اكتوبر) وبعض أدعياء السلفية المقبليين مثل ( معاذ طارش , ورزق شائع , وغمدان الزنداني ) , وبعض صوفية مرعي بما فيهم رأسهم , ولم يكتفوا بذلك بل استضافوا كل من لفظهم الإخوان ليظهروا على أنهم لا زالوا فيه , مثل (عبدالسلام البحري , ومحمد الفضلي) ليصب الكل جام غضبهم على الإخوان ومؤامرتهم , ويتهكمون بالعلماء والخبراء والثورات , ويتمسحون بأقدام طاغية اليمن , تزلفا ونفاقا .
هذه الثقافة الإعلامية الرسمية آتت بعض أكلها , من خلال أنها بعثت رسالتين في آن واحد :
الرسالة الأولى : إلى الداخل ليصور الأمر على انه إرهاب تقوم به جماعات عرفت بأنها مصدر الإرهاب , ومن رحمها خرجت الجماعات الإرهابية , فهو حنين إلى الأصل والفرع , بالتالي فالثورة في اليمن أزمة بين نظام الحكم والإسلاميين فقط بين حكم مدني وآخر يريد أن يفرض الحكم الديني , والبقية مخدوعين ضمن نظرية المؤامرة , التي ينبغي أن يتنبهوا لها جيدا !!! وقد انخدع بعض القوميين واليساريين بهذه النظرية , حتى أضحت كتاباتهم وان كانوا مع الثورة تصب في غمز ولمز الإسلاميين , وعن الإقصاء , وتطبيق الحدود , وسرقة الثورة , وأحمر بدلا عن أحمر , ومع ذلك يظلون قلة إنطلت عليهم نظرية المؤامرة .
الرسالة الثانية : إلى الخارج من خلال تخويف الغرب , من هذا المارد الذي يكاد أن يخرج من قمقمه , إن لم يتداركوا أمرهم , ليبدأ الخارج عملية غض الطرف حينا , والتسويف وإطالة الوقت بالمبادرات والقرارات أحيانا , ومساواة الضحية بالجلاد , كل ذلك خوفا من هذا المارد القادم , فقد شعر الغرب أن تونس و مصر خرجت من حسابهم , ولم يستطيعوا أن يقفوا أمام الشعب , وأن ليبيا رغم دعم الغرب تكاد أن تقلقهم أكثر , لوجود المسحة الدينية على وجوه وألسنة الثوار , بل إن فوز حركة النهضة في تونس قلبت الموازين نسبيا رغم تطمينات الحركة , فلم يكن من المتوقع فوزها , بعد تجفيف منابع التدين , وفتح كل مواخير التفسخ الأخلاقي في تونس , كل ذلك جعل ويجعل الغرب يقف عائقا أمام ثورتي اليمن وسوريا , حتى لا تنفلت من يده , كما انفلتت أخوات لها من قبل .
وما يألوا النظام المتهالك جهدا في بعث هذه الرسائل , من خلال تكرار وصف الخارجين بأنهم ضمن مؤامرة الإخوان المسلمين , ويفسر كل الأحداث بناء على ذلك , فإذا رأى النظام موقف ايجابي لبعض الدول الغربية مع الثورة فسره ضمن المؤامرة , والقول بأن الغرب بدأ يتآمر مع الإخوان لتمكينهم من وراثة الحكم , مقابل التزامات بالتبعية , وهو كلام وتحليل لا يتماشى مع المنطق , ويتصادم مع حقائق التاريخ .
ومع ذلك فان نظرية المؤامرة المعشعشة في أذهان بقايا النظام وفي إعلامه الرسمي قد يكون لها مردود ايجابي لتجمع الإصلاح , من خلال النظرة العابرة لحجم المعتصمين في الساحات , وحجم المسيرات , إذ أن ذلك يعطي انطباع مفاده أن الإخوان في اليمن لديهم القدرة على هذا الحشد الهائل , و الأثر الطيب في دعم الثورة , مما يولد احتراما وتقديرا لهم , من كافة شرائح المجتمع الداعم للثورة .
والمردود الايجابي هذا يعمق نظرية المؤامرة في أذهان بعض داعمي الثورة من غير الإخوان , إذ يرون أن النظام وإعلامه الرسمي متآمر مع الإخوان (تجمع الإصلاح) , لتلميع صورته , وإظهاره بأنه صاحب الثورة الحقيقية , ليتسلم زمام الأمور فيما بعد , بينما يكون الضحايا من الشباب , وان اللواء علي محسن المهندس الرئيسي لهذه المؤامرة , وقد انطلت هذه النظرة في أذهان البعض ,رغم أن الوقائع اليومية تنفي ذلك .
في المقابل قد نلاحظ أن الإخوان وكثير من مكونات الثورة يفسرون كثيرا من ردود أفعال النظام بأنه يندرج ضمن نظرية المؤامرة أيضا , وأن كل خطوة للنظام مدروسة , وفق خطة إستراتيجية , وتكتيك مسرحي بارع , ليتم تفسير الأحداث وفق ذلك , وكأن النظام في حال قوة وعافية وتمكن , وقدرة على المضي على بصيرة من الأمر , وبالتالي فان : جمعة الكرامة , وحرق ساحة الحرية في تعز , وحادث مسجد النهدين , وذهاب المخلوع إلى السعودية والعودة , وغض الطرف من قبل دول الخليج والغرب , وتسليم أبين للقاعدة , وطرح بعض الصحف مثل صحف( حديث المدينة و الأولى والشارع ) التي تطعن الثورة من الخلف , ومواقف بعض الشخصيات , و...الخ هي ضمن مؤامرة للنظام مرسومة الأحداث والتقديرات.
نعم هناك مؤامرات للنظام مع أطراف داخلية وخارجية في بعض الأحداث , لكن لا نظل مسكونين بهذه النظرية نشهد من خلالها أن النظام لا يزال في موضع القوة وحبك المؤامرات , بينما المعطيات تدل على أن كثيرا من مواقفه ارتجالية حمقاء وهزيلة , ورد فعل ليس إلا .
اخترنا لكم
آخر تحديث
السبت,23 نوفمبر 2024
الساعة 02:36
مساء
# | اسم العملة | بيع | شراء |
---|---|---|---|
دولار أمريكي | 2074.00 | 2061.50 | |
ريال سعودي | 542.00 | 540.00 |