الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٧ صباحاً

الهروب من الشراكة الوطنية الى الحروب

عارف الدوش
الاثنين ، ٢١ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
مشكلة ومعضلة اليمنيين منذ رحيل الأتراك في بداية القرن العشرين الماضي هي امتلاك وانتشار السلاح بأنواعه المختلفة بينهم كمراكز قوى حاكمة ومعارضة وهو الذي يغريهم في كل مرة للانقلاب على ما يتوصلوا إليه من اتفاقات شفوية أو مكتوبة لتأسيس وبناء دولة الشراكة الوطنية فمن يمتلكون القوة "السلاح والمال " دائماً يهربون بحرب ليتخصلوا مما اتفقوا عليه من مشاريع لتأسيس دولة الشراكة الوطنية .

وبالعودة السريعة الى أضابير وملفات التاريخ سيجد المتابع والباحث أن الاستئثار بالسلطة والنفوذ والمال واشباع غريزة الحكم وراء كل الصراعات والحروب الدموية بين اليمنيين بلافتات وشعارات تأخذ صبغة ومتغيرات المرحلة كستار لها، فعند رحيل الأتراك من اليمن سلموا ما تبقى من سلاح" خردة" لبعض مشايخ مراكز القوى فيما كان يسمى " اليمن الأسفل"- والتسمية تذكرها كتب التاريخ حتى الستينيات من القرن العشرين الماضي وليست من عندي- هو ما دفع من يتأهبون للإستئثار بالسلطة والثروة الى إطلاق سيل من الإتهامات على الطرف الىخر ابرزها " عملاء الأنجليز – الطامحون لتأسيس دولة مذهبية شافعية" خاصة بعد انعقاد مؤتمر العماقي في تعز وفشله في التوصل الى شيء.

ولأنه لم يكن يومها هناك من يرغب في بناء دولة الشراكة الوطنية فتحالفت مراكز قوى محددة وشنت حروباً على اجزاء من اليمن " حروب الزرانيق في تهامة والمقاطرة في تعز وحروب الفتح ويقصد بها فتح مناطق ما كان يسمى" اليمن الأسفل" التي استخدمت فيها القوة الغاشمة والغزو وإباحة الأموال والقتل ، والتاريخ يحدثنا عن حروب من أجل السلطة والثروة والنفوذ وغريزة الحكم.

واستمرت حروب الإستئثار بالسلطة والثروة واشباع غريزة الحكم في اليمن تصنع مبرراتها وشعاراتها من طبيعة المرحلة التي تحدث فيها فتارة باسم الاعتداء على شرعية الحكم حتى وإن كان ظلمه تشتكي منه الأشجار والحجار " فشل ثورة 48 وإباحة صنعاء للقبائل ونهبها في أبشع عمليات النهب " وتم جز روؤس الأحرار ، وتارة باسم الثورية والتخلص من الحكم البائد فلا ثورة انتصرت ولا شعب حكم نفسه بنفسه وأزال الفوراق بين الطبقات ولستمرت الحروب ثمان سنوات في ظل غياب مشروع تأسيس وبناء دولة الشراكة الوطنية لم تفرق بين جمهوري وملكي من أي منطقة كان فالجمهوريون قتلوا وسحلوا الملكيين ولو بالشبهة من أجل " الثورة والسلطة والحكم " والملكيون قتلوا وسحلوا الجمهوريين لاستعادة " الحكم والسلطة" .

وما فشل ثورة فبراير 1948م وحصول أحدث اغسطس الدامية عام 68م وحروب المناطق الوسطى بين الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة من نظام الجنوب سابقاً والجبهة الإسلامية المدعومة من نظام الشمال سابقاً وبعض الأطراف الأقليمية وحرب صيف 94م وحروب صعدة الست إلا تجلي من تجليات الصراع على السلطة والثروة واشباع غريزة الحكم في ظل غياب مشروع دولة الشراكة الوطنية.

وفي كل مرة كانت حروب الإستئثار بالسلطة والثروة واشباع غريزة الحكم تبدأ بشن حملات دعائية واعلامية موجهة " والحرب أولها كلام" تستخدم فيها كل وسائل الحشد والتعبئة وفتاوى التكفير والإخراج من الدين كما تستخدم فيها شعارات ومفردات التحقير والتصغير وعبارات التصنيف والطائفية والعنصرية والعمالة للخارج .

والغريب وما غريب إلا الشيطان والعجيب وما عجيب إلا سلوك اليمنيين تجاه بعضهم البعض فقبل كل حرب ينفذها اليمنيون ضد أنفسهم يديرون حوارات متعددة وتفاوضاً وتفاهمات غالباً ما تكون النتيجة اتفاقيات ووثائق غاية في الروعة وتنازلات تبدو أنها خلاصة الحكمة اليمانية بينما هي عبارة عن خداع واستراحة محارب " مفاوضات حرض الأولى والثانية ووساطات وتفاهمات واتفاقات وتعهدات إيقاف أحداث أغسطس 68م الدامية والمصالحة الوطنية بعودة الملكيين عام 70م ومفاوضات وحوارات وتفاهمات الجبهة الوطنية الديمقراطية في المناطق الوسطى وتسليم سلاح الجبهة وتفكيك خلاياها وحوارات ووساطات حل اختلافات شريكي الوحدة العليان " البيض وصالح" والوصول الى " وثيقة العهد والإتفاق " والمبادرة الخليجية وآليتها والحوار الوطني ووثيقته العامرة ".

باختصار شديد الإجابة تكمن في امتلاك مراكز القوى المتغيرة الأسماء والأهداف السلاح والمال وإليكم الأدلة ، فسلاح الأتراك الخردة في بداية القرن العشرين كان العذر الذي فجر حروب فتح مناطق اليمن الأسفل وصفقة السلاح الروسي التي جرى حولها صراع وخلاف في ميناء الحديدة بداية 68م هي التي كانت وراء أحداث اغسطس من نفس العام وحروب المناطق الوسطى جرت لسهولة حصول الجبهتين الديمقراطية والإسلامية على السلاح وحرب صيف 94م كانت لتدمير سلاح دولة الجنوب الذي كان بيد الحزب الاشتراكي شريك الوحدة وحروب صعدة الست استمرت لسهولة حصول الحوثيين على السلاح .

وأخيراً: ها نحن اليمنيون أمام تحضيرات لحرب جديدة والسبب السلاح والإستئثار بالسلطة والثروة واشباع غريزة الحكم في ظل غياب مشروع دولة الشراكة الوطنية وإن كان قد تم كتابته في وثيقة الحوار الوطني فهناك اطراف غير مقتنعة به وتجري تحضيرات للهروب منه الى الحرب، فهل يتمكن هذه المرة المجتمع الدولي متسلحاً بقرار مجلس الأمن 2140 من نزع سلاح المليشيات وأمراء الحروب في اليمن وإعادة بناء الجيش اليمني على اسس وطنية للبدء بتأسيس وبناء دولة الشراكة الوطنية نأمل ذلك بل نتمنى ذلك لا نتمنى الهروب من وثيقة الحوار الوطني بحرب جديدة.