الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٩ مساءً

ماذا صنعتم يا أهل الكرامة ؟

علي العقيلي
الأحد ، ٢٣ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٥ صباحاً
يقولون ماذا صنعتم ..؟؟!! .. لقد صنعتم ما لم نصنعه نحن ولا هم .. أنتم وبأرواحكم الطاهرة ودمائكم الزكية زلزلتم عروش الطغاة، وأزحتم الظلم والاستبداد الذي صمتنا عنه نحن وهم يدافعون عنه، وأنتم بددتموه بشموخكم وانتفاضتكم الشعبية عليه، وبصمودكم في وجهه العدواني الغاشم وثباتكم أمام يده العابثة حتى أقصرتموها .

لقد صنعتم التحرير لهذا الشعب، وكسرتم قيود الاستعباد والرق، وأشرقت شمس الحرية على أيديكم، فهنيئاً لكم الشهادة وطابت مقاعدكم في عليين يا شهداء جمعة الكرامة الأشاوس .
من أول قطرة دم من دمائكم الطاهرة سقط صالح ونظامه وسقطت شرعيته، وحصرتم أيام نظام استبدادي جثم على اليمن لعقود، عجزت عن حصر أيامه وتغييره كل إرادة بشرية، وكل طريقة سياسية سلمية من انتخابات إلى مشاورات وشراكات وطنية، حتى خرجتم أنتم ورفاقكم إلى ساحات الحرية والتغيير، وأحصيتم أيام هذا النظام الاستبدادي، وأوقفتكم مشروعه الوراثي الذي كان ينوي على تنفيذه .

جمعة الثامن عشر من مارس 2011 م ليست يوماً عادياً في تاريخ اليمن، بل يوماً تاريخياً فصل بين حقبتين من تاريخ اليمن المعاصر، ففيه صنع الثوار نهاية نظام صالح، وفيه انطلقت أول خطوة لبناء اليمن الجديد، يمن ما بعد الاستبداد الفردي والعائلي بالسلطة .

كل الشعب اليمني في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب، في المدن والأرياف، في الجبال والهضاب والوديان والصحاري، في الحاضرة والبادية، جميعهم وفي كل مكان شهدوا ذلك الحدث وعاشوا أحداث تلك المجزرة الأبشع في تاريخ اليمن - من استهداف مباشر بالرصاص الحي لحشود المتظاهرين السلميين العزل وفي أثناء الصلاة - الكل وقف وتوقّف بكل حيرة يتأمل مأساة هذا العمل الإجرامي البشع ويتساءل : أي ضمير إنساني يحمل من أقدم على فعل هذا وأي دين يعتنق ؟؟ ولكن لا دين ولا ضمير، فلا دين الإسلام يسمح بذلك ولا ضمير حي لإنسان يجرؤ على فعل ذلك العمل الوحشي .

ولهول الحدث وعظمته على القلوب كل من عاش وقائعه سواء حضر أم لم يحضر فلن ينسى اللحظة التي تلقّى أو شاهد أو سمع خبر الحدث، ولن ينسى مكان تواجده في تلك اللحظة، وماذا كان يعمل وبرفقة من كان، وأعتقد أن جميعنا لا يزال يتذكر جيداً تلك اللحظة التي تلقى فيها خبر تلك الفاجعة، كما لا يجهل المكان الذي تلقى الخبر فيه والوسيلة التي نقلت له الخبر .

ولن أنسى تلك اللحظة التي تلقيت فيها خبر الفاجعة بعد مرور سبع ساعات على حدوثها، كما لن أنسى ذلك المكان الريفي النائي الذي تلقيت الخبر فيه، ولن أنسى ذلك الشخص الذي نقل لنا الخبر في تمام الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم بعد مشاهدته للتلفزيون، ولن أنسى تلك الحالة التي جعلتنا لا نستوعب الحدث حتى بعد مشاهدة التلفزيون في العاشرة من مساء ذلك اليوم، وبعد مشاهدة الدماء والأشلاء والجثث .. لقد كانت ليلة مأساوية وقاسية .

لم أكن أعلم أن اسم الكرامة هو الاسم الذي أطلقته اللجنة التنظيمية للثورة على تلك الجمعة، ولعدم تمكني من متابعة أحداث الثورة لحظة بلحظة لعدم توفر الكهرباء وخدمة الإنترنت في تلك المنطقة كنت أعتقد حينها أن اسم الكرامة تم إطلاقه على تلك الجمعة بعد أن شهدت تلك المجزرة، فتمت تسميتها بهذا الاسم لأن الله أكرم عدد من الشباب الثائر بالشهادة في سبيله في ذلك اليوم الفضيل، واندهشت كثيراً عندما تأكدت أن هذه التسمية كانت من قبل، نظراً لتطابق الاسم على الحدث .

جمعة الكرامة اسمٌ لحدث سبق وقوعه .. حيث أكرم الله العشرات من شباب اليمن بالشهادة في سبيله، وقد أصطفى عدد من الحفظة لكتابه من بين حشود الشعب في ذلك اليوم العظيم الذي سُمّي بيوم ( الكرامة )، فهنيئاً لهم الشهادة والرحمة تغشى أرواحهم الطيبة الطاهرة والخلود لأرواحهم في أعلى مراتب الجنات .

وخاب وخسر دنياه وآخرته من استطالت يده في دمائهم وعبثت بحياتهم، ومهما حال أعداء الحق والعدل عن تطبيقه، فلا بد من القصاص العادل لشهدائنا الأبرار من القتلة المجرمين الذين تمادوا في طغيانهم وإجرامهم بحق هذا الشعب، والشعب لن ينسى دماء أبنائه الأحرار الذين ضحوا بدمائهم من أجل كرامته .